نصرالدين السويلمي - تونس - بعض ردود الأفعال التي أعقبت حلقات برنامج الصراحة راحة وخاصّة تلك التي تلت حلقة السّيد محمد نجيب الشابي لم تكن في المستوى الذي كان يجب أن تكون عليه عقليّة خارجة لتوّها من حصار ديكتاتوريّة خانقة داخلة في مساحة من الحريّة الهائلة وفّرتها ثورة 14 جانفي، أصحاب هذه الردود عابوا على مُقدّم البرنامج الصحفي سمير الوافي أسئلته المحرجة التي وجّهها إلى السّيد نجيب الشابي، هذه الأسئلة التي كان جلّها إن لم نقل كلّها يجيب على مجمل التساؤلات التي تدور في الشارع وعبر الفضاءات الإجتماعيّة خاصّة الفايسبوك. الغريب أنّ الأسئلة المطروحة لم تخرج عن دائرة الإحراج الليّن أو المشاغبة السّياسيّة الدافئة ولم تتعرض للضيف ولا هي خدشت الذوق والحياء ولم نلحظ كمشاهدين أيّ سؤال منبت ولّده الصحفي من فراغ ولم تكن له علاقة بالإشاعات أو الحقائق التي تدور حول التقدمي وأمينه العامّ السابق، والأغرب من ذلك أنّ سمير الوافي وفي نسخة البرنامج الأولى كان قد قدّم حلقات استضاف فيها فنّانين وأشباه فنّانين"على حدّ قوله" تخلّلتها أنّات أخلاقيّة كثيرة وكبيرة، رغم ذلك لم نسمع بمثل هذه الاحتجاجات ولم ينتقد هؤلاء نوعيّة بعض الضيوف المتردّية التي كان يقحمها علينا البرنامج في بيوتنا ولا حتى الإشارة إلى أجوبتهم التي تخفّفت من جميع الضوابط وهتكت ستر الذوق. ومن أكبر المغالطات التي ولدتها ذهنيّة سكنتها ثنائيّة الكره المجاني والرفض الأعمى هي ادعاءاتهم بأنّ سمير الوافي لم يطرح أسئلة جديّة ومحرجة على الشيخ راشد الغنوشي وغلبت المجاملة على برنامجه في حين أنّ المتابع النزيه المتجرّد والمطلّع على تاريخ الغنوشي والنهضة سيجد أنّ المقدّم أتى على جميع النقاط التي كانت تدور حولها التساؤلات وتلك التي كانت مطيّة لخصوم الحركة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لا بل وأكثر من ذلك فقد أجاب الشيخ على أسئلة دارت حول خصوصيّات كانت إلى حدّ قريب يصعب طرحها على شخصيّة إسلاميّة وقياديّة أو حتى على تلك الشخصيّات العامّة المحافظة. من الواضح اليوم أنّ العديد من المفاهيم مازالت مبعثرة نتمنى أن لا يطول وقت ترتيبها، يأتي على رأس هذه المفاهيم طبيعة تعامل الإعلام مع حركة النهضة، حيث أنّ العديد من النخب وأنصارها المناوئين للحركة يستكثرون عليها الظهور في وسائل الإعلام وإن كان بشكل حيادي وأقل بكثير من غيرها، ومرد ذلك يعود لسببين الأول عدم فهمهم للنقلة النوعيّة التي أحدثتها الثورة حيث فكّكت المألوف الذي صنعه الديكتاتور وعرضت على الشعب ترتيبه من جديد، فبات من الصعب على هذه النخب مشاهدة حركة تشرح برنامجها وتتحدث في الشأن العامّ بعد أن كان ولوقت قريب يجرّم تناولها في الإعلام أو حتى مجرد الإشارة إليها إشارة عابرة، أمّا السبب الثاني فهو ذلك الشعور المَرضِي لدى بعض النخب التي تعتبر الثقافة والإعلام ملكا خالصا لها وإن اضطرت لبعض التنازلات فبقدر معلوم، أمّا أن ترى الغنوشي والجبالي والهاروني والعريض هكذا دون ستار عازل وجها لوجه مع الشعب على شاشات التلفاز وأحيانا في أوقات الذروة ، زد على ذلك يتكلمون في شؤون الدولة.. فلعمرك ما تلك إلاّ مَقاتل لأقوام أعجزهم طلب ودّ الشعب فاحتضنوا الوهمّ يعاقرونه ليلهم ونهارهم.