تونس (الشروق) تبذير المال العام مصطلح مناقض لمفهوم التقشف، الذي يتم رفعه شعارا للمرحلة الحالية والمرحلة القادمة حتى تتمكن تونس من الخروج من أزمتها الاقتصادية، لكن كل المعيطات تُثبت أن مؤسسات السلطة ترفع شعار التقشف وتطبّق إهدار المال العام. هذا التناقض يجعل الرأي العام التونسي في حيرة. من مؤسسات السلطة التي كان مفهوم التقشف ركنا أساسيا في خطابها ،مجلس نواب الشعب، هذه المؤسسة لا تُطبقٌّ ما تقول، فخارج منطق الحديث عن منح النواب وهو ملف يتقاطع فيه الحقيقي بما يتم ترويجه، تبدو هذه المؤسسة من الهياكل المُبذّرة للمال العام بشكل لافت ،بالرغم من أن ميزانيتها محدودة جدا مقارنة بميزانيات هياكل أخرى. 123 ألف دينار لطباعة الأوراق ميزانية مجلس نواب الشعب تبلغ أكثر من 32 مليون دينار، يتم تخصيص ما يقرب 31 مليون دينار لنفقات التصرف، في حين لا يتم تخصيص سوى مليون دينار لنفقات التنمية. هذه الأرقام يتم تفصيلها بمعطيات منها ما يمكن اعتباره معقولا ومنها ما يُعتبر مبالغا فيه. من الأرقام التي تُفصّل توزيع ميزانية البرلمان، والتي يمكن اعتبارها مبالغا فيها، تخصيص ما يقارب 550 ألف دينار للتعهد والصيانة، أما استهلاك الغاز والكهرباء فيصل الى 450 ألف دينار سنويا، في حين تُقدر مصاريف الإعلامية ب 310 ألف دينار ،ومصاريف الوقود ب 310 الف دينار، اما النفقات الخاصة بتأجير المساعدين البرلمانيين فتبلغ 450 ألف دينار ، في حين تبلغ مصاريف التمثيل والاسفار 200 ألف دينار ،وتبلغ مصاريف الاستقبالات 207 ألف دينار ، ومصاريف الاتصالات 151 ألف دينار، وإكساء الاعوان 113 ألف دينار ،وطبع الوثائق الرسمية 123 ألف دينار . أرقام تدعو إلى الشك بعض هذه الأرقام مبالغ فيها الى درجة التشكيك في فرضية صرفها واقعيا ،خاصة في ما يتعلق بما يتم انفاقه على الوقود، ويزداد الشك أكثر اذا ما علمنا ان النواب لا يتمتعون بكميات من الوقود يوفرها البرلمان، وهو ما يعني ان مصاريف الوقود البالغة 310 ألف دينار تم صرفها في تنقلات أعوان الإدارة ورئيس البرلمان فقط. أرقام أخرى يمكن اعتبار صرفها مسألة عبثية خاصة منها ما يتعلق بطباعة الوثائق الرسمية، فمبلغ 123 الف دينار يمكن القول انه صرف عبثا خاصة وان إدارة البرلمان تتعامل مع النواب بالرسائل الالكترونية ويتم فيها ارسال كل الوثائق الرسمية للنواب، أي ان إعادة طباعتها يعتبر أمرا غير مبرر. مسؤولية مضاعفة مسؤولية البرلمان مضاعفة في حماية المال العام من التبذير فالى جانب ضرورة اعتماده سياسة التقشف في مصاريفه، فنواب البرلمان هم من يصادق على ميزانيات الوزارات والهيئات الدستورية وعليهم التدقيق في كل المصاريف، وبالتالي فان البرلمان مطالب بعدم إهدار المال العام في ميزانيته وعدم السماح بتبذيره في ميزانيات الهياكل الأخرى. 45 ألف دينار مصاريف النباتات وجهت نائبة التيار الديمقراطي سامية عبو انتقادات لاذعة لميزانية البرلمان سنة 2017، وقالت عبو "على مجلس نواب الشعب أن يكون أول من يعتمد سياسة التقشف في الظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد، قبل دعوة المواطن للتقشف" وأشارت الى أن المجلس لا يحافظ على مال الشعب فالعديد من الاعتمادات تصرف في مسائل غير مهمة تصل الى حد التبذير في ما يتعلق بصيانة السيارات (120 ألف دينار في السنة) وصيانة النباتات (45 ألف دينار) ومصاريف الصفحة الرسمية للمجلس التي لا تنشر أنشطة نواب الشعب بل أنشطة رئيس المجلس. لجنة مراقبة التصرّف في المال العام من أهم لجان البرلمان لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرّف في المال العام، هذه اللجنة هي لجنة خاصة، كان من المفترض ان تكون لها أدوار جوهرية في ما يتعلق بمكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام، لكن للأسف اقتصر دور هذه اللجنة على امتداد الخمس سنوات الماضية على بعض الجلسات التي يتم خلالها الاستماع الى بعض المسؤولين ثم تُغلق الملفات بانتهاء الجلسات , وفي أقصى الحالات تلعب دور الوسيط مع هيئة مكافحة الفساد. مليارات في جلسات الجلسات العامة التي يتم تخصيصها لحضور الوزراء للإجابة على الأسئلة الشفاهية التي يطرحها النواب، لا يحضرها سوى النواب المعنيون بطرح السؤال والوزير المعني بالاجابة عنه، لكن بالرغم من ذلك تُعقد هذه الجلسات في قاعة الجلسات العامة التي تتضمن أكثر من مائتي مقعد ويتم خلالها استهلاك كميات كبيرة من الكهرباء إضافة الى تجنيد عدد من العملة في البرلمان ،وهم أساسا المعنيون بالتجهيزات الصوتية وبالانارة وبالتنظيف وبتوزيع الوثائق ... وهو ما يجعل هذه الجلسة التي لا يكون الحضور فيها اكثر من عدد أصابع اليد الواحدة ،مكلفة جدا. عقد هذه الجلسات في قاعة الجلسات العامة مُكلّف من الناحية المالية ،ويعطي صورة سلبية عن المؤسسة التشريعية باعتبار ان الصورة التي تُنقل للمتفرج توحي بغياب باقي النواب .. وهو ما جعل بعض النقابيين في البرلمان يقترحون عقد هذه الجلسات في القاعات التي تجتمع فيها اللجان وهي قاعات صغيرة وعقد الجلسة فيها لا يُكلّف كثيرا من المال. إلغاء وزارة العلاقة مع البرلمان طالب عدد من نشطاء المجتمع المدني الى ضرورة إلغاء وزارة الهيئات الدستورية والعلاقة مع مجلس نواب الشعب، واعتبروا ان هذه الوزارة تعتبر تبذيرا للمال العام ،ووقع عدد من الجمعيات الناشطة في مجال الحوكمة والحقوق والحريات. ومن بين الحجج التي قدمتها الجمعيات ،ضعف أداء الوزارة في الجانب التشريعي، وفي هذا السياق يمكن التأكيد على ان الوزراء الذين تعاقبوا على هذه الوزارة في السنوات الماضية كانوا أضعف الوزراء من حيث الأداء. بالرغم من وجود هذه الحقيبة الا ان عددا كبيرا من النصوص التشريعية يقوم البرلمان بإعادتها للحكومة لمزيد احكام صياغتها ،إضافة الى ان نقاشات عدد من النصوص تميزت بالتوتّر وهو ما يؤكد ان الوزير المكلف بهذا المنصب لم يلعب دور الرابط الحقيقي بين البرلمان والحكومة.