فعاليات الحملات الانتخابية للقائمات الحزبية والمستقلة ميّزتها ظاهرة عجيبة تشكل خطرا في نهاية المطاف على مصداقية النائب في علاقة بانتظارات المواطن الناخب... فقد شهدت هذه الحملات طوفانا من الوعود.. تنمية وتشغيل، وبنى تحتية وحركية ثقافية وعناية بالفلاحة وبصغار الفلاحين وتسابق على حل اشكاليات الماء والضغط على الأسعار. باختصار المنصت لهذه الوعود يظن للوهلة الأولى أن أعضاء القائمات حزبية كانت أو مستقلة يجلسون على خزائن «قارون» ويمتلكون سلطان سيدنا سليمان ليسخّروا الانس والجان لتحقيق وعودهم الانتخابية وتحويلها إلى واقع يلمسه المواطن لمس اليد ويستحم في نعيم خيراته. ليس هذا فقط.. بل ان المواطن وقد أعياه طول الانتظار ولم يجن غير الخيبات وهو يرى ظروفه تنهار ومشاكله الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، انخرط في مزاد الوعود وقابله بترفيع سقف انتظاراته ممن قد يصبحون نواب جهته في البرلمان القادم. وبالمناسبة عبّر كثير من المواطنين عن سيل من الانتظارات التي تعجز عن تلبيتها أعتى الحكومات والبرلمانات وأغنى الدول في العالم فما بالك ببلد مثل تونس استنزفت طاقاته وتوقفت عجلة انتاجه وتدحرج اقتصاده إلى أدنى المستويات وانهارت عُمْلته الوطنية وبات غير قادر على التنفّس إلا بفضل جرعات أكسجين تضخّها في شرايينه مؤسسات النقد الدولية. وبالمحصلة لنا أن نتخيّل ما الذي يمكن أن ينتجه لقاء وتزاوج سيل وعود المترشحين العبثية والعصية على الانجاز على أرض الواقع من جهة وانتظارات شريحة هامة من المواطنين الذين قابلوا وعود المترشحين يترفيع سقف انتظاراتهم.. تأكيدا هذا اللقاء العبثي لن يجني منه المواطن إلا الخيبة والصدمة والخذلان. لأن المترشحين وأحزابهم لا يملكون أدوات وإمكانيات تحقيق وعودهم وتحويل انتظارات الناس إلى واقع ملموس.. وهذه الخيبة لن تزيد إلا في ضرب مصداقية السياسيين والنواب وفي تدعيم الصورة النمطية السيئة التي ترتبط بهم في أذهان الناس والتي تختزلهم في كائنات تلهث وراء المواقع والمنافع والكراسي ليس أكثر. إن عقاب شريحة هامة من التونسيين لمثل هؤلاء الساسة المراهقين الذين يمارسون الكذب مع سبق الاضمار والترصد من خلال اطلاق وعود غير مسؤولة وغير ممكنة الانجاز لم يتأخر. ولنا أن نتأمل في الأسباب والدوافع الكامنة وراء إحجام أزيد من نصف الناخبين عن القيام بواجبهم في الدورة الأولى للرئاسية حتى ندرك حجم الخيبة والقرف اللذين أصابا التونسيين من مثل هذه الممارسات اللامسؤولة.. والتي تتواصل رغم تكدّس رسائل الناخبين والمواطنين.