إذا ما تأكدت النتيجة التي تحصل عليها حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية فنحن بلا شك أمام سقوط مدوّ بل ونهاية حزب كان بالأمس القريب أكبر قوة سياسية في البلاد... تونس الشروق: أفرزت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي انتظمت يوم الأحد الفارط عن فوز حزب نداء تونس بمقعد وحيد ما شكل مفاجئة مدوية لمسؤولي وأنصار هذا الحزب الذي كان الى تاريخ غير بعيد يتصدر المشهد السياسي في تونس. الى ذلك ورغم ما عاشه هذا التشكيل السياسي من أزمات وانشقاقات فان أكبر الملاحظين تشاؤما، لم يكن يتوقع سقوطا مدويا كهذا الذي عصف بالحزب يوم الأحد الماضي. في المقابل، ثمة من المحللين السياسيين من حذر من هذا السيناريو وذلك لاعتبارات ذاتية وموضوعية تفاعلت فيما بينها لتشكل ازمة هيكلية داخل هذا الحزب. ازمة وان اخّرت موته فإنها تحوّلت بمناسبة هذه الانتخابات التشريعية إلى آخر مسمار يُدقُ في نعش هذا التشكيل الحزبي الذي ولد من حاجة ملحة الى حزب وسطي وحداثي يواجه الهيمنة التي فرضتها حركة النهضة وحلفاؤها على المشهد السياسي ما بين سنتي 2011 و2014. ايامها وتحديدا في 26 جانفي 2012، أصدر الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بيانا دعا فيه القوى الديمقراطية إلى "التوحد وخلق بديل تنظيمي ليحصل التوازن في الحياة السياسية بما يمكّن من التداول على السلطة وقيام حياة ديمقراطية حقيقية". وفعلا وبتاريخ 16 جوان 2012، انعقد المؤتمر التعريفي بالحركة التي أطلق خلاله الراحل الباجي قايد السبسي، جملته الشهيرة: «تونس تنادينا فلنلب نداء تونس". ورغم أن الأدبيات السياسية لحركة نداء تونس تقول إنها تستند إلى "الفكر الإصلاحي التونسي والتراث الإنساني العالمي وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية" مع التأكيد على أنها "منفتحة على مختلف التيارات الفكرية والسياسية التي تشترك معها في الإيمان بالدولة والتمسك بالفصل الأول من دستور "1959 الذي يعتبر ان "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها " إلا أن طبيعة القوى المشكلة للحركة كانت تحمل في أدبياتها السياسية بذور الأزمة التي ستعصف بالحزب لاحقا. رحل الباجي الى قرطاج فغرقت البحيرة فاز حزب نداء تونس بالاستحقاقين الانتخابيين الرئاسي والتشريعي لسنة 2014. وعليه رحل الباجي قائد السبسي ال قصر قرطاج لتولي مهام رئاسة الجمهورية التونسية تاركا خلفة مقر الحزب بضاحية البحيرة خاليا من زعيم سياسي موحّد ومجمّع وله من الكاريزما ما يمكنه من قيادة تشكيل حزبي معقد في حجم حزب نداء تونس. وفعلا، ظهرت أولى بوادر الخلاف في اول امتحان خضع له " أبناء الباجي " السياسيين وذلك بمناسبة انتخاب الحزب لمكتبه السياسي في مارس 2015. واعترف القيادي في الحزب، خميس قسيلة، ان " نداء تونس يعيش ازمة حقيقية لم يعد مقبولا إخفاؤها". واعتبر قسيلة ان " الحزب يشهد أزمة قيادية متفجرة منذ استقالة مؤسسه ورئيسه الباجي قائد السبسي إثر انتخابه رئيسا وتولي غالبية أعضاء هيئته التأسيسية مسؤوليات في رئاسة الجمهورية والحكومة". ووصل الامر ب 60 من إجمالي 86 نائبا يمثلون الحزب في مجلس نواب الشعب الى مقاطعة الهيئة التأسيسية نهائيا وعدم احترام قراراتها ودعوها الى المبادرة لحل نفسها من أجل انقاذ الحزب. وكان حجر فقط لا يكفي لهدم البيت على ساكنيه فان دخول نجل الرئيس، حافظ الباجي قائد السبسي، على الخط سيؤجج لهيب الصراعات والانشقاقات داخل الحزب. ايامها اتهم لزهر العكرمي عضو الهيئة التأسيسية للحزب حافظ قائد السبسي ومجموعة من أنصاره بمحاولة الهيمنة على نداء تونس. وأضاف العكرمي في ذات السياق ان "هناك مجموعة من الناس لم يتولوا مواقع في السلطة تجمعوا اليوم حول هذا الشخص وقالوا له انت الزعيم وانت الوريث. في تلك الفترة، كثر الحديث عن دور حركة النهضة في تفتيت الحزب من خلال دعمها لحافظ السبسي على حساب قياداته المؤسسين. حرب الانشقاقات بلغ الصراع أوجه في بداية سنة 2016 لما بات واضحا وجليا ان قصر قرطاج انحاز نهائيا لحافظ السبسي ليتجرأ بعض الوزراء والشخصيات النافذة داخل الحزب بالحديث عن "التوريث". هذه المعارضة عجلت بإزاحة بعض الوزراء غير المنحازين لجناح حافظ قايد السبسي على غرار وزير الخارجية الطيب البكوش ومحمود بن رمضان الذي تم نقله من وزارة النقل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. والحقيقة ان هذا التصدع كان ينبئ بحدوث انشقاقات خطيرة داخل الحزب وهو ما حصل بالفعل اذ انبثق عن الحزب أحزاب متعدّدة، فقد أسّس محسن مرزوق "حزب مشروع تونس" ورضا بالحاج "تونس أوّلا"، وسعيد العايدي حزب "بني وطني" وحزب "مستقبل تونس" للطاهر بن حسين، إضافة لقيادات ومؤسّسين اختاروا المشاركة في الحياة السياسيّة دون الانتماء الى حزب سياسي على غرار الأزهر العكرمي وعبدالستار المسعودي وبوجمعة الرميلي وبشرى بلحاج حميدة. في الاثناء، بدأت الكتلة النيابية للحزب في التفكك لتخسر الأغلبية في مجلس نواب الشعب بل ان هذه الازمة كانت سببا في عزلة الرئيس الباجي قائد السبسي نفسه الذي فقد السيطرة في الآن نفسه على قصر الحكومة بالقصبة وبالتالي نهاية التعامل مع رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي أعاد مراجعة صيغة التوافق مع حركة النهضة. وتمكن يوسف الشاهد من تشكيل كتلة نيابية داخل مجلس نواب الشعب تحولت الى اغلبية حاكمة بالتحالف مع حركة النهضة. مؤتمر برأسين رغم التعجيل بإنجاز المؤتمر التوافقي لحزب نداء تونس في افريل 2019 بمدينة المنستير وبحضور مؤسسه الراحل الباجي قائد السبسي الا ان هذا المؤتمر تحول الى كارثة سياسية لم تعشها تونس من قبل. اذ اكدت ايامها النائب في البرلمان عن حركة نداء تونس فاطمة المسدي أن مؤتمر النداء غير ديمقراطي والانتخابات غير شرعية وغير ديمقراطية. يذكر ان تلك الانتخابات فاز فيها أنصار ابن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وكنتيجة حتمية لهذه الازمة الإضافية، انتهى مؤتمر حزب نداء تونس بانقسامه إلى حزبين، الأول بقيادة سفيان طوبال رئيس الكتلة البرلمانية، والثاني بقيادة حافظ قايد السبسي لتجد قواعد الحزب وأنصاره نفسها موزعة على جناحين سياسيين بعد انتخاب مكتبين سياسيين ومجلسين وطنيين. وكان من الطبيعي أن ينتهي ذلك بهذا السقوط المدوي خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة لحزب تأسس ليقوم بمهام رجال الإطفاء في حالات الطوارئ.