يعيش قطاع التعليم في تونس اليوم أزمة غير مسبوقة خاصة مع تنامي ظاهرة العنف المدرسي وتدهور جودة التعليم. ورغم تتالي الدعوات لإصلاح المنظومة التربوية إلا أن كل محاولات الاصلاح تعطلت ومرشحة لمزيد التعثر. تونس (الشروق) من المرجح ان يتواصل تعطل اصلاح المنظومة التربوية امام تشكل مشهد سياسي غامض بعد الانتخابات الاخيرة كما ان هناك مخاوف عديدة مشروعة حول الفشل في تحييد الاصلاح التربوي ان كتب له ان يرى النور عن التجاذبات السياسية. 3 محاولات إصلاح أرجئت محاولة اصلاح المنظومة التربوية التي كان قد اعلن عنها وزير التربية السابق ناجي جلول منذ 2015 في الوقت الذي تشكو فيه المنظومة التربوية الحالية العديد من النقائص مما خلق ضعفا في مستوى التلاميذ وهو ما سيكون له انعكاسات خطيرة على المجتمع خلال السنوات القادمة خاصة وأنّ 100 ألف تلميذ يغادرون سنويا مقاعد الدراسة كما أنّ أيام الدراسة خلال السنة الدراسية في تونس هي الأضعف في العالم وفق الخبراء. وفي هذا الإطار صرح الخبير الدولي في تقييم المنظومات التربوية وإصلاحها ورئيس الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية د. محمد بن فاطمة ل"الشروق" في وقت سابق ان تونس عرفت منذ الاستقلال ثلاث محاولات لإصلاح المنظومة التربوية سنوات 1958، و1991 و2002 كان لبعضها إيجابيات منها انتشار التعليم في الجهات وارتفاع مستوى تمدرس الإناث...لكن كل هذه الإصلاحات كانت تقريبًا بنفس المضامين والأهداف ونفس المنهجية المعتمدة، كما أن نسبة الإنجاز في إصلاحات 2002 مثلًا انحصرت بين 15 و20 في المائة. واعتبر ان الإصلاح التربوي يشمل مراجعة المنظومة التربوية على مستوى المناهج ومنظومة التقييم وتقييم المدرّسين والزمن المدرسي الى جانب إضافة جوانب أخرى في المنظومة التربوية يفرضها تطوّر المجتمع في ضوء العولمة والثورة التكنولوجية وتداعياتها وهو ما يتطلب إعادة النّظر في المضامين بمنهجية متطورة. تحييد الاصلاح يحتاج تعليمنا اليوم إلى إصلاح عميق وجوهري يطال مضامينه ومحتواه ويخلق مجالًا للتلاميذ للتفكير والإبداع، عوض الإبقاء على منظومة أثبتت فشلها وتنتج منذ سنوات الفشل وتجعل الشباب محبطا. لكن كيف سيتم ذلك في السنوات القادمة مع ضرورة تحييد الاصلاح عن التجاذبات السياسية بين الاحزاب وسعيها الى فرض رؤيتها دون اعتبار لمتطلبات الواقع و حاجيات التلاميذ والمدرسين فلابد من تحييد هذا الاصلاح وجعله ملفا وطنيا لا مجرد برنامج حزبي خاصة وان التجربة اظهرت ان من بين اسباب اجهاض عملية الاصلاح انه مع تعاقب وزراء التربية فان كل منهم يسعى الى فرض رؤيته وبرنامجه الشخصي فيقوم بتقويض ما انجزه سلفه ويبدا بإقرار اصلاح جديد لذلك فان الحل يكمن في جعل الاصلاح مشروعا مجتمعيا شاملا لا يرتبط بوزير معين ولا ببرامج احزاب بل بتقنيات علمية ونظريات حديثة يختارها الخبراء تماشيا مع تطور المنظومات والعلوم في الدول المتقدمة حتى يكون التعليم رافدا للنجاح والتشغيل والتنمية ويعيد الامل للشباب وينتشله من الاحباط الذي يعيشه اليوم. و تحسين علاقة التلميذ بالمدرسة ويرى الخبراء ان تحسين جودة الحياة المدرسية يتطلّب اهتماما خاصا ذلك أن المتدخّلين في «حياة التلميذ» داخل الفضاء المدرسي كثيرون منهم المربّي والقيّم و الإطار الاداري فالتلميذ يحتاج الى تأطير دائم ومتابعة دقيقة داخل المدرسة و مطلوب ان تربطه علاقات احترام و تبادل مع من يحيطون به حتى يتراجع منسوب العنف والانقطاع المدرسي وما يعرف ب"التنمر". وعموما فان اصلاح المنظومة التربوية من المفروض الا يكون تحت اشراف كلي لوزارة التربية و نقابات التعليم فحسب بل وجب ان يكون مفتوحا لكل المتدخلين في التربية لتشمل الجميع و لهذا يجب ان يخرج من بوتقة التجاذبات و المزايدات السياسية والنقابية خاصة وان هدف المنظومة التربوية ليس حشو الأدمغة بالعلوم و التي أصبحت متوفرة للجميع و بطرق مختلفة بل الهدف هو تكوين مواطن قادر على التفاعل مع المجتمع وافادة الوطن. رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ ل«الشروق» إصلاح التّعليم ضرورة راهنت تونس منذ الاستقلال على التّربية والتّعليم وعلى العلم والمعرفة لإرساء ثوابت دولة عصريّة ومدنيّة متطورة في كل الميادين. وحرصت على التّدرّج بمنظومات التّعليم الابتدائي والثّانوي والعالي والتّكوين المهني إلى أفضل المستويات من ناحيتي الكيف والكم بهدف الاستجابة إلى حاجيات البلاد ومتطلبات التطوّر والتنمية والعدالة والاستقرار. وكانت النتائج في مستوى الآمال والرهانات والاستثمارات. وعوض أن تواصل مدرستنا مسيرتها في اتجاه التميّز أخذت منذ إصلاح 1991 منحدر التدنّي من سنة إلى أخرى. وهو ما يردده كلّ المُختصّين والمعنيين بالشأن التربوي وطنيا ودوليا. وقد أصبحت مدرستنا اليوم مصدرا لإهدار الموارد العامة والخاصة ولبعثرة المكاسب البشرية وحتى الإنسانية. وأصبحت تدفع بشبابنا إلى العجز المعرفي وببلادنا إلى الإقصاء التنموي وبعائلاتنا إلى الانحراف الثّقافي والاجتماعي وتهدد وحدة بلادنا واستقرار وطننا بسبب اختلال ثوابتها وقيمها وأدائها. ومن الضروري أن يشعر من يتوقف عند العديد من الأرقام والإحصائيات والظواهر بالانزعاج والحيرة. فعدد تلاميذنا الذّين ليس لهم أي أمل في النّجاح المدرسي يبلغ نسبة تفوق 75 بالمائة من المتعلمين. ويغادر المدرسة سنويا أكثر من 100 ألف من أبنائنا دون أي محصول معرفي أو أي تكوين وذلك منذ أكثر من 20 سنة. وفقدت مدرستنا العمومية مبدأ المجانية وأصبح التّعلُّم والنجاح يتفاعلان مع إمكانيات العائلة المادية والثقافية. وتدنى المستوى المعرفي العام لتلاميذنا مقارنة بتلاميذ الدول الغربية والآسيوية لتصل الفوارق إلى نقص معرفي يتجاوز 6 سنوات في بعض الحالات. وتمّ تسجيل أكثر من 7000 صفر في مادة الفرنسية في امتحانات الباكالوريا جوان 2017 ويقابلها بالأكيد العدد بعينه في المواد العلمية. ويجب علينا الاعتراف بأن مدرستنا العمومية اليوم في حالة إنعاش بكل ما تعنيه الكلمة. وضمانا لحق بناتنا وأبنائنا من الأجيال الحاضرة واللاّحقة في حياة كريمة، من الضروري الإدراك بأنّ إصلاح منظومتنا للتعليم والتربية أصبحت مسألة استعجاليه ذات أولوية قصوى ومسؤولية أخلاقية وشأنا وطنيا يخص كل مكونات المجتمع التونسي. ويشار الى ان صياغة الحل الجذري لمعالجة معضلة المدرسة التّونسية يمرّ بالضرورة عبر القيام بتشخيص شامل وموضوعي لكلّ شوائب المنظومة الحالية ونقائصها. وعموما فان المدرسة مطالبة بضمان حقوق التلميذ في السّلامة البدنية والمعنوية وفي العدالة الاجتماعية وبصقل إرادته ومواهبه وثقته بالنفس وغرس روح الطموح والتفوق فيه وبدفع رغبته وتطوير مواهبه ومهاراته وقُدراته على التّعلم الذاتي والانخراط في مجتمع المعرفة. والمدرسة مطالبة من جهة ثانية بالاستجابة إلى حاجيات تطور البلاد في كلّ المجالات وبتجسيم معاني العدالة الفعلية بين المواطنين ومعاني الانصهار الاجتماعي ومطالبة أيضا بضمان وحدة الوطن واستقراره وأمنه ومطالبة بتأهيل تونس للاندماج من دون عقد في فضاء العالم المتطور، عالم المعرفة والتكنولوجيا والاقتصاد والثّقافة والقيم الكونية. والمدرسة مطالبة بالانفتاح على محيطيها الدّاخلي والخارجي وعلى المستحدثات والمستجدات في المجال التربوي والبيداغوجي وعلى العلوم التّربوية والبحوث والتجارب النّاجحة والتي تهدف إلى الرفع في القدرة على التّعلم وإلى إرساء مدرسة ارفع أداء وأقلّ فوارق.