تونس (الشروق) كلما احي التونسيون عيدا وطنيا الا ورافق ذلك نقاش صاخب بين المفتخرين بتاريخ البلاد وبين المشككين في مصداقية من كتبوا هذا التاريخ فهل حان الوقت لإعادة النظر في المقاربة المعتمدة حاليا في قراءة تاريخ تونس ما يسمح بمصالحة الشعب مع ذاكرته؟ مرت يوم أمس ست وخمسون سنة على معركة الجلاء التي شهدت انسحابا كليا للقوات الفرنسية من تونس. وإن تضاربت المصادر حول عدد شهداء هذه المعركة إذ أفادت بعض الجهات أنه سقط خلالها 670 شهيدا في حين أكّد ضابط الحرس الوطني حسن مرزوق الذي خاض المعركة في كتاب أصدره لاحقا أن عدد الضحايا بلغ 7 آلاف شهيد فإن بريقها خفت شيئا فشيء منذ تسعينات القرن الماضي ولم يعد الاحتفال بها يرتقي الى ما كان عليه في زمن حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. في تلك الفترة، كانت تقام الاستعراضات العسكرية وتتحول مدينة بنزرت الى عاصمة للمقاومة التي نجحت في طرد المستعمر الفرنسي من تونس. وليس عيد الجلاء فقط من فقد بريقه كعيد وطني فحتى عيد الاستقلال عرف في السنوات الأولى للثورة التونسية نفس المصير. وحتى الاعلام التونسية غابت في تلك السنوات عن الشوارع والساحات العامة ما فهم منه ان الحكومة التي تولت السلطة في تلك الفترة ربما كان لها موقفا آخر من هذا العيد ومن الاستقلال أصلا. وليس البعد السياسي والفكري فقط ما يفسر هذا التجاهل لأعيادنا الوطنية بل ثمة أسباب أخرى منها ما هو تعليمي ومنها ما هو ثقافي بشكل عام. التهميش يجمع كل المختصين في مجالات التربية والتعليم ان المنهجية المعتمدة حاليا في تدريس مادة التاريخ في مراحل التعليم المختلفة لا تشجع التلاميذ على الاقبال على هذه المادة بجدية. وتقريبا لا وجود لهذه المادة في مرحلة التعليم الأساسية وفي المرحلة الثانوية تدرس ضمن حصة تجمع بينها وبين مادة الجغرافيا بضارب قد يجعل التلميذ لا يولي لها أهمية كبرى مع ان علماء التربية والنفس والاجتماع يجمعون على أهمية هذه المادة في ربط التلميذ والناشئة والشباب عموما بين حاضرهم وماضيهم ما يساعدهم على تنمية روح الانتماء والمواطنة. في سياق متصل، تكاد تكون الذاكرة الوطنية غائبة تماما فيما ننتجه من اشكال ثقافية مختلفة. فقل وندر ان نجد السينما التونسية تعالج مرحلة ما من تاريخنا الوطني وكذلك المسرح الذي نرى في أيامنا هذه وطبعا الرسم والغناء والادب التي غلب عليها طابع معالجة قضايا الحاضر. إعادة الكتابة؟ مما لا شك فيه ان هناك جزء من التونسيين من لا يعترفون بالتاريخ الرسمي للبلاد. وبلغت هذه الموجة اوجها بمناسبة جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة في 20 مارس 2017 حول عيد الاستقلال وتم خلالها مناقشة وثيقة الاستقلال التونسي. في تلك الأيام، طالبت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين بإعادة كتابة تاريخ البلاد معتبرة ان التاريخ الذي نعرف كتبه المنتصر خلال الحركة الوطنية أي الزعيم الحبيب بورقيبة. واعتبر الباحث والاكاديمي أستاذ التاريخ الحديث بالجامعة التونسية، عبد اللطيف الحناشي أنه «يوجد فرق بين أن نعيد كتابة التاريخ وأن نكتب التاريخ برؤية جديدة». مضيفا ان «فكرة إعادة كتابة التاريخ تتضمن نسف أو تجاوز الكتابات أو المقاربات السابقة حتى تلك الرسمية أو شبه الرسمية، وهذا منهج غير سليم، فليس كل الكتابات القديمة غير سليمة أو غير دقيقة برغم أنها كتبت لصالح النظام». وقال الحناشي «أعتقد أن المؤرخين كما كل المختصين في بقية العلوم الإنسانية والاجتماعية أصبحوا يتمتعون بحرية أكثر نتيجة تراخي الضغوط الذاتية والموضوعية، لذلك من الضروري أن نعيد كتابة تاريخنا الوطني برؤية جديدة بل رؤى جديدة وبمقاربات متعددة توظف فيها جميع العلوم الرديفة كعلم الاجتماع وعلم النفس والقانون والاقتصاد. « أي ان نجعل التاريخ قوة مجمعة لجميع شرائح الشعب التونسي ومصدر افتخار واعتزاز.