هدّد رئيس جمعية فورزا تونس، سهيل بيوض بمقاضاة وزير الشؤون الثقافية والحكومة الإيطالية، على خلفية ما اعتبره إهانة تونس عبر معرض "قرطاج الأسطورة الخالدة" الملتئم بمعلم "كوليزي روما". تونس «الشروق» أصدرت جمعية فورزا تونس، مؤخرا بيانا جاء فيه أنه "تبعا لمشاركة تونس بوفد يترأسه وزير الثقافة في معرض قرطاجبروما المتواصل من 26 سبتمبر 2019 الى 29 مارس 2020 القادم تحت عنوان "قرطاج الأسطورة الخالدة"، وما رافقها من اخلالات جوهرية مست صورة تونس وأهانت تاريخها الحضاري (...) قررنا وزير الثقافة محمد زين العابدين (...)". وتبعا لهذا البيان اتصلنا برئيس الجمعية سهيل بيوض لإيضاح النقاط الواردة في بقية نص البيان، فشدد على أنه سيقاضي أيضا السلطات الإيطالية وكل من ساهم في هذه المهزلة المهينة والتي تفضح تردي بعض مؤسسات الدولة وانحرافها عن حماية المصلحة العليا للشعب والدولة التونسية على حد تعبيره كما وجه محدثنا بالمناسبة دعوة إلى الشعب التونسي وعلى رأسهم المثقفون والإعلاميون إلى الانخراط في حملة المقاضاة والعمل على إرجاع كل هذه القطع الأثرية إلى تونس حالا، كما نطالب الدولة الإيطالية بالكف عن الإهانات المتتالية لتونس وشعبها ورفع يدها عنا، على حد قوله. لماذا هذه اللهجة الشديدة بخصوص المعرض المقام بروما؟ وما علاقة المعرض بفيلم "كابيريا" (cabiria)؟ وأين تكمن الإهانة التي تحدثتم عنها؟ كانت هذه بعض الأسئلة التي طرحناها على محدثنا، سهيل بيوض رئيس جمعية فورزا تونس، المثقف وصاحب التجربة الكبيرة في القطاع السياحي والمخرج السينمائي (حاليا بصدد إعداد فيلم)، فقدم مجموعة من الدلالات الرمزية والتاريخية، التي تعطي مشروعية لمقاضاة كل من ساهم فيما سماه المهزلة المهنية. رمزية المكان أول قراءة فيما اعتبره سهيل بيوض إهانة لتونس ولشعبها، تتمثل في رمزية المكان الذي يحتضن معرض "قرطاج الأسطورة الخالدة"، وهو المعلم الأثري المعروف ب"كوليزي روما"، والذي اعتبره محدثنا، ملعبا رومانيا كان يقع فيه إجبار مجموعة من العبيد بقتل بعضهم البعض لتسلية الجماهير الرومانية والقيصر الذي كان مهووسا وشديد الخوف من ثورة شعبه عليه، ولذلك كان شعار روما "الخبز والألعاب" حسب قوله. وفي هذا الصدد أردف محدثنا: "لذلك يقع عرض أغلى وأعز ما نملك كتونسيين من قطع أثرية فريدة من نوعها في العالم، وعددها 400 قطعة تقريبا وهو رقم رهيب وغير معقول خروج قطع بهذا الكم لعرضها خارج متحف باردو، في مكان بهذه الرمزية البشعة، فهل انعدمت الفضاءات في روما؟ ونحن نعلم جيدا أنها تعد بالعشرات على غرار متاحف روما...". رمزية تمثال «مولوك» أما الرمزية الثانية للإهانة التي تحدث عنها رئيس جمعية فورزا تونس، فتتمثل في وضع مجسم الآلهة "مولوك" (MOLOCH) في مدخل المعرض وهو غير موجود كمجسم حتى في تونس، وهو ما اعتبره محدثنا إهانة مقصودة من الجانب الإيطالي فسرها كالآتي: "تتمثل هذه الإهانة في استحضار هذا التمثال، بالصورة التي قدمها الفيلم التشويهي الفاشي "كابيريا" (CABIRIA) للمخرج جوفاني باستوني عن سيناريو لغابريالي دانوتسو، وهو فيلم يتفنّن في الأكاذيب والإهانة وتشويه الحضارة القرطاجية البونيقية.. أنتج سنة 1914". وتابع بيوض في هذا السياق: "هذا الفيلم المشبوه، الذي أنتج في الفترة الفاشية تحت رعاية مجرم الحرب موسيليني، الذي أراد آنذاك أن يمرّر الأكذوبة العنصرية التي تقول إن المبادئ والقيم الإنسانية هي حكر على الرومان، فقدم الفيلم صورة على أن القرطاجيين ومن بعدهم ورثة قرطاج أناس همجيون يقومون بحرق الأطفال في صدر أو في بطن الآلهة "مولوك"، ولذلك (أي لهذه الصورة) قام الرومان بحرق قرطاج واستباحة دم شعبها، وهي صورة غير صحيحة بالمرة، وحتى الأسطورة التي تحدثت عن تقديم الأطفال كقرابين للآلهة غير صحيحة ولم يثبت هذا علميا إلى الآن." رمزية عنوان المعرض وفي قراءته ربط أيضا سهيل بيوض بين تمثال "مولوك" وعنوان المعرض، ليفسر الرمزية الثالثة، عبر طرحه استفهاما إنكاريا مفاده: "هل الأربعمائة قطعة أثرية المعروضة والمثبت تاريخها علميا، هي أساطير، ليكون عنوان المعرض قرطاج الأسطورة الخالدة؟ هل قرطاج أسطورة أم حقيقة؟ وتابع محدثنا طرح أسئلته الإنكارية: "لماذا يصر الإيطاليون على وضعنا دائما في خانة الأسطورة، ولا يريدون الاعتراف بقرطاج كحضارة ألهمت الغرب بما فيه روما وساهمت في تطور العنصر البشري من خلال وضع أول دستور في تاريخ الإنسانية، وتكوين أول جمهورية في تاريخ البشرية، حسب ما كتبه أفلاطون في كتابه "السياسة"؟..". وتابع رئيس جمعية فورزا تونس في ذات الصدد: "وأقل ما يمكن أن نذكّر به هؤلاء الذين اختزلوا حضارتنا في عبارة "أسطورة"، هو أن من ابتكر علم الفلاحة، هو قرطاجيتونسي الأصل، واسمه "ماغون" تاركا 36 كتابا، ومازال يدرّس في الكليات والمعاهد الفلاحية في العالم...". العلاقة بعملية «صوفيا»؟ تعددت الأسئلة لدى محدثنا فمنها التي لا تنتظر إجابة ومنها التي فتح بها الأبواب على مصراعيها لقراءات اعتبرها أكبر ولا تقل خطورة، فبعد أن تساءل عن اقدام وزير الثقافة وسفير تونسبإيطاليا على افتتاح معرض بهذه الإهانة، تساءل: "ألا ينبئ هذا بما يحاك في إيطاليا ضد تونس فيما يعرف بالعملية العسكرية "صوفيا" والتي يراد بها تدخل الجيش الإيطالي في السواحل التونسية لمنع الهجرة غير الشرعية للسواحل الإيطالية، والمعروفة عندنا وحتى عندهم ب"الحرقة"؟". ألم يفهم ممثلو الدولة التونسية في هذا المعرض ومن خلال وضع تمثال "مولوك"، الربط المهين بين "الحرقة بمعناها الحديث و"الحرق" بالمعنى الأسطوري الخرافي المشوه، الرمزي للتمثال؟ ألا يراد بكل ذلك رسالة لنا من عاصمة روما أن التونسيين مازالوا في طور الهمجية؟... أسئلة كثيرة طرحها محدثنا في ختام حواره، قبل أن يعود للإشارة إلى كونه لن يسكت عن هذه الإهانة مهما كانت.