تونس «الشروق» قدم الرئيس قيس سعيد صباح أمس خطابا في مجلس نواب الشعب في ضاحية باردو مقر إقامة الملوك الحسينيين الذين حكموا البلاد قبل إعلان النظام الجمهوري في 25جويلية 1957. خطاب قيس سعيد ورغم ما تضمنه من إشارات إيجابية عن أستمرار الدولة تجاهل أي إشارة للإرث الإصلاحي التونسي الذي أسس الأرضية التي قادته إلى الحكم وقد يكون هذا «التغييب» لمدونة الإصلاح التونسية نتيجة سهو غير مقصود فكان من المهم الإشارة ألى أن تونس لها تاريخ طويل في الإصلاح والتجربة الديمقراطية فقرطاج أسست لأول دستور وكان لها مجلس شيوخ يناقش شؤون الدولة ويحاسب الحاكم كما كان شائعا في الحضارة الأغريقية وفي عهد حنبعل وصلت المراكب التونسية ألى شواطىء إيطاليا وكان لقرطاج العظيمة دور محوري لا يمكن تجاهله أو نسيانه وهو ما جعل من هذه البلاد الصغيرة في جغرافيتها عظيمة في تاريخها بل أذهلت العالم على حد عبارة الرئيس قيد سعيد الذي تحدث عن الشعب العظيم وعن البلاد التي أبهرت العالم. إن أنبهار العالم بتونس ليس جديدا ففي 23جانفي 1846 تم رسميا إلغاء الرق في تونس في سابقة دولية حتى قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية كما تم أصدار دستور في 1861في سابقة عربية وإسلامية بل حتى قبل دول أوروبية تعتبر اليوم علامات في تجاربها الديمقراطية وفي أواخر القرن التاسع عشر أسس خيرالدين التونسي المدرسة الحربية بباردو التي كانت بمثابة مدرسة عليا تدرس المناهج الحديثة على غرار المعاهد العليا الا وروبية وفي أول القرن العشرين بادر التونسيون لتأسيس الجمعيات والصحف وكان الحزب الحر الدستوري من أعرق الأحزاب في العالمين العربي والإسلامي. وتواصلت جهود النخب التونسية في التحديث والإصلاح في الثلاثينات مع المفكر الأجتماعي والزعيم النقابي الطاهر الحداد الذي كان أول من أرخ للحركة النقابية وبادر للمطالبة للتمكين الأقتصادي للمرأة كما كانت تونس أول بلاد عربية وأسلامية تشهد ولادة الحركة النقابية منذ العشرينات مع محمد علي و السعداوي والقناوي والحداد ثم مع الشهيد فرحات حشاد بتأسيس الأتحاد العام التونسي للشغل الذي قاد معركة الأستقلال مع للحزب الدستوري. وتواصلت الملحمة التونسية بأعلان مجلة الأحوال الشخصية ومنع تعدد الزوجات وتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الأنسان وكل هذه الحلقات تمثل سلسلة مترابطة في تاريخ تونس الذي يعود ألى ما قبل التاريخ. فالصورة التي تناقلتها وكالات الأنباء في العالم عن الأنتقال السلمي للصدفة في عالم عربي وأسلامي أقترنت فيه غالبا صورة أنتقال السلطة بالدم والأنقلابات العسكرية والمحاكمات العشوائية ليست صدفة وليست الأولى فقد سبقتها صور أخرى بين الباجي قايد السبسي ومنصف المرزوقي وبين المرزوقي والمبزع بل حتى شغور منصب الرئيس بعد مغادرة بن علي البلاد تم في مناخ سلمي وأستمرت مؤسسات الدولة في عملها. هذا ما غاب عن الرئيس في خطابه وكم كنت أود شخصيا لو تعرض ألى هذه الخصوصية التونسية التي لا ترتبط بالأشخاص لكنها مرتبطة بروح الشعب التونسي الذي قال عنه المرحوم محمود المسعدي إن أمة أنجبت أبن خلدون لا يمكن أن تهان! فتونس لم تبدأ اليوم ولا يوم 14جاتفي 2011ولن تنتهي مع قيس سعيد فلها تاريخ طويل من العطاء للثقافة الأنسانية وهي من زرعت قيم التنوير والحداثة والمواطنة والمساواة في عالم عربي وإسلامي يعاني من مخيال مريض في علاقته بالسلطة والمرأة والمواطنة.