انطلقت مساء أمس رسميا الدورة الثلاثين لأيام قرطاج السينمائية أعرق مهرجانات سينما الجنوب التي أسسها مجموعة من رواد العمل الثقافي زمن بناء الدولة في تجسيد للإرادة السياسية للزعيم الخالد الحبيب بورقيبة الذي آمن بالثقافة بأعتبارها العمود الفقري لمشروعه التحديثي والإصلاحي وكانت آنذاك أيام قرطاج السينمائية منصة للدفاع عن قضايا التحرر السياسي والعدالة الأجتماعية والتنمية الأقتصادية في البلدان المستقلة حديثا أو التي تعاني من الاستعمار آنذاك في أفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتنينة وهذا سر نجاح أيام قرطاج في استقطاب نجوم سينما الجنوب. وتنتظم اليوم أيام قرطاج السينمائية في مشهد سياسي مختلف عن زمن بدايات الاستقلال زمن الحزب الواحد؛ مشهد سياسي فيه قوى سياسية ترفع مشروعا مضادا لمشروع بورقيبة ويشكك في كل مكاسب الدولة الوطنية ويدعو إلى تطبيق الشريعة وتجريم المشروع الحداثي والإصلاحي ومبني على شعارات وهمية وهلامية.! تنظيم أيام قرطاج السينمائية بعد أنتخابات هزمت فيها القوى الحداثية والوسطية مقابل صعود الإسلاميين والفوضويين وهو مايمثل تهديدا لكل المنجز الحداثي والإصلاحي التونسي لكن تنظيم أيام قرطاج السينمائية هو ترجمة لجدية المشروع الذي أسسه المصلحون التونسيون وحلقة من حلقات هذا المشروع المتواصل منذ القرن الثامن عشر ولم تقدر قوى الفوضى والثورجية والفاشية الدينية على تدمير هذا المشروع الحداثي وهذا سر قوة تونس الخالدة التي قد تنحني أو تتراجع لفترة قصيرة من الزمن لكنها ستظل حية بمبدعيها ومثقفيها وأعلامييها وحركتها النسوية التي لا تشبهها أي حركة في العالم العربي ولا الإسلامي بل حتى بعض البلدان الأوروبية. أيام قرطاج السينمائية هي ترجمة لروح تونس الخالدة التي لن تقوى عليها قوى الظلام والاستبداد الديني والسياسي وهذا قدرها في ضخ روح التحديث والتنوير والإصلاح في منطقة المتوسط منذ قرطاج إلى اليوم مهما كان اسم الرئيس أو الحزب الحاكم رحم الله الزعيم بورقيبة والطاهر شريعة ومد الله في أنفاس الشاذلي القليبي وكل الذين ساهموا في بناء هذه التجربة والرحمة لنجيب عياد مدير هذه الدورة بالغياب فهذا المهرجان هو جزء من تراث تونس اللامادي الذي لابد من تضافر الجهود للمحافظة عليه وتطويره حتى تبقى تونس قبلة المدافعين عن قيم التنوير والحداثة ومحبي الحياة ألم يقل أن الذي يحب الحياة يذهب إلى السينما.