ليس مؤسس أيّام قرطاج السينمائية فقط، ك »مهرجان ليس كغيره« من مهرجانات السينما من حيث غاياته التي لا تمتّ بصلة إلى غايات تلك المحافل السينمائية الشائعة شرقا وغربا. ليس الطاهر شريعة مؤسس أيّام قرطاج السينمائية فقط وإنّما هو مؤسس السينما التونسية وواضع لبناتها الأولى وركائزها الأساسية في زمن كانت الدولة الوطنية الفتية في أشد الحاجة لمن ينهض بمشروعها التحديثي في شتّى القطاعات والميادين، فكان بإصراره وعناده على ترسيخ مقومات سينما وطنية متجذّرة في تربتها، مشرعة على أسئلة عصرها رغم رياح المناهضة العاتية الآتية من هنا وهناك، ورغم العداوات المتخّفية أو المعلنة سواء في الداخل أو الخارج لهذه التوجهات، التي سرعان ما »دبّرت« له قضيّة هي أشبه بجزاء سنمار، وزجّ به في السجن لمدّة أشهر. ورغم ذلك لم تفتر همّة ، ولا تزعزعت ارادته فيما رآه وارتآه من أقوم مسالك للنهوض بالسينما التونسية، ولا وهنت عزيمته رغم اشتعال الرأس شيبا. و، مسكون بالحسّ الابداعي سواء فيما يكتبه من أشعار وما يترجمه للآخرين وينقله من اللغتين، فهو المترجم لعمر بن أبي ربيعة ولابن زيدون مثلا من العربية الى الفرنسية، وهو المترجم من الفرنسية إلى العربية قصائد الجزائرية آسيا جبّار. وهو أيضا من المجيدين لفن المراسلة كما تؤكد ذلك رسائله إلى أصدقائه وصديقاته التي تعدّ تُحفا فنية ودررًا مكنونة في فن يكاد ينقرض من المدونة العربية المعاصرة. و، بعد هذا وقبله مناضل وطني من أجل الحرية والديمقراطية الفعلية ومن أوائل النقابيين الأشدّاء، لذلك كلّه أليس أهلا لأكثر من تكريم . وليس هذا الملف سوى تحيّة وجيزه لهذا العصيّ على التصنيف، والمنفلت دومًا ممّا استقرّت عليه الأنفس والعقول واستكانت إليه برد يقين. وبهذه المناسبة لايسعنا الاّ أن نتقدّم بجزيل الشكر إلى الصديق عبد الكريم قابوس الذي لولا حرصه ومثابرته لما كان لهذا الملف ان ينجز في الوقت المناسب. قلنا انّها تحيّة فقط للطاهر الشريعة اذ مازال في جرابنا الشيء الكثير لإيفاء هذا الطود الشامخ حقّه، ففضائله على جيلنا لا تُحصى ولا تُعد.