بدت الحركة في قلب العاصمة صباح أمس أشبه بيوم الأحد بعد أن فرضت الأمطار حصارا على الأحياء السكنية الواقعة في إقليم تونس فيما شلّت حركة المترو الخفيف. تونس (الشروق) هذا الشلل التام هو جرّاء انحصار العربات داخل المستودع الكائن في منطقة تونس البحرية بل إن الكثير من سكان أريانةومنوبةوتونس وبدرجة أقل بن عروس قفلوا راجعين إلى بيوتهم بفعل انحصار حركة المرور على أغلب محاور إقليم تونس الكبرى فيما ارتبكت حركة الحافلات وتوقفت أغلب سيارات الأجرة بصنفيها الفردي والجماعي وتضرّرت كثير من السيارات وبالنتيجة فُرض حصار على الكثير من سكان إقليم تونس في أعقاب ليلة عرفت تدفقا غزيرا للأمطار في ظرف زمني وجيز حيث بلغ أقصاها 95 مليمترا في أريانة و78 في تونس و31 في بن عروس و12 مليمترا في منوبة و38 في نابل و29 في بنزرت. انزلاق أرضي وأعلن الشاذلي بوعلاق والي العاصمة أن كل معدات الحماية المدنية والبلديات ووزارة التجهيز إلى جانب المقاولات الخاصة تم تسخيرها لضخ مياه الأمطار التي تراكمت في عدة محاور منها تونس البحرية وعين زغوان وشارع باريس وشارع النخيل في الزهروني وبرطال حَيْدر في باردو إلى جانب معالجة انزلاق أرضي حصل بسبب كثافة الأمطار في ضاحية المنزه التاسع. وأعلن والي تونس تمام الساعة العاشرة من صباح أمس عن فتح الطريق الحزامية الرابطة بين تونس البحرية وضاحية حلق الوادي فيما كانت الجهود تتواصل لتسريح عربات المترو التي ظلت عالقة في المستودع الرئيسي. وأشار في السياق ذاته إلى حصول اتفاق مع شركة نقل تونس يقضي بإيواء عربات المترو خلال ساعات الليل في المحطات الرئيسية بدل مستودع تونس البحرية وذلك بصفة استثنائية لحين تحسّن الأحوال المناخية. وأكد في المقابل تواصل المساعي بالتعاون مع وزارة التجهيز لإيجاد حلول هيكلية عاجلة لمشكل ارتفاع مستوى البحر عن اليابسة على مستوى تونس البحرية والذي أصبح يتسبب في تراكم المياه على الجهة المتاخمة لبحيرة تونس. استنفار في نابل وفي المقابل أعلنت سلوى الخياري والية نابل استنفار اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث للتعامل مع أي طارئ رغم عدم تسجيل ظواهر غير عادية في الليلة الفاصلة بين الأحد والاثنين حيث لم تتجاوز كميات الأمطار القصوى 38 مليمترا. ونصحت في المقابل متساكني الوطن القبلي بملازمة الحذر خاصة من خلال الابتعاد عن المناطق المنخفضة وأحواض السدود والأودية. توسّع عمراني عشوائي ورغم استنفار اللجان الجهوية لمجابهة الكوارث وعديد الأجهزة في مقدمتها الحماية المدنية فإن حالة الفوضى التي عمّت إقليم تونس قد عرّت مجددا إخلالات هيكلية خطيرة تتجاوز بكثير قدرة هذه الأجهزة وتزداد خطورة في خضم تداعيات التحولات المناخية التي أصبحت حقيقة واضحة وآثار التوسّع العمراني العشوائي الذي جعل إقليم تونس الكبرى أشبه بحوض سباحة. وفي هذا الصدى لاحظ الخبير الأممي في التغييرات المناخية عادل الهنتاتي أن التغيرات المناخية الناجمة عن الانحباس الحراري عمت مختلف أنحاء العالم بما في ذلك تونس حيث أصبحت الأمطار تتسم بشراسة كبيرة من خلال نزول كميات قياسية في حيز زمني وجيز حيث أن معدلات الأمطار التي كانت تتوزع على عدة أشهر صارت تنزل في أربعة أو خمسة أيام. وتابع أن هذا التحول يلتقي مع ضعف تجهيزات تصريف المياه والتوسّع العمراني المكثّف والعشوائي في سائر المدن وخاصة الكبرى وهو ما يجعل الأمطار الكثيفة تنحصر في الشوارع والأنهج لأنها تصطدم بطرقات مبلطة تحول دون تصريفها إلى باطن الأرض. ارتفاع البحر كما نبه إلى أن عدم تكيف سياسة تصريف مياه الأمطار مع ما أفرزته التحولات المناخية من ارتفاع لمستوى البحر يجعل المياه تعود أدراجها لتغمر الأحياء الساحلية مؤكدا أن هذه الظاهرة لا تقتصر على العاصمة بل موجودة على طول الشريط الساحلي بما في ذلك مدينة قابس حيث أصبحت مياه البحر تتدفق إلى الأودية وليس العكس. ودعا من هذا المنطلق إلى تفادي تشتت الجهود من خلال بحث جهاز وطني يعنى بمياه الأمطار على غرار ديوان التطهير وتغيير أنماط التعامل مع خطر الفيضانات بتوجيه الاستثمارات نحو تقنيات تخزين المياه في المائدة المائية مثل «الماجل» و«الفسقية» بدل إهدار الأموال في قنوات تصل الأودية بالبحر. كما دعا الى ضرورة إرساء شراكة بين الدولة والمواطن للتقليص من خطر الفيضانات التي ستتفاقم أكثر في الأعوام القادمة مشيرا إلى أنه في عديد البلدان بما في ذلك أوروبا يستعمل المواطنون حواجز لمنع تدفق المياه إلى بيوتهم أثناء نزول الأمطار بغزارة.