ذهب في أذهان الكثير من النّاس أنّ الأمانة تكون في المال فقط ولكن الأمانة كلمة واسعة المفهوم، فهي أداء الحقوق، والمحافظة عليها. فالولد أمانة، والزوجة أمانة، وأبواك ورحمك أمانة، فحفظهم أمانة، ورعايتهم أمانة، وتربيتهم أمانة. كلّ إنسان مسؤول عن شيء يعتبر أمانة في عنقه، سواء أكان حاكمًا أم والدًا أم ابنًا فهو راعٍ ومسؤول عن رعيته، قال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. (متفق عليه) والأمانة خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقنا منها لعظمها وثقلها، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب 72) وقد أمرنا الله بأداء الأمانات، فقال تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء 58) وحذّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّ من أشراط السّاعة كثرة الخيانات وقلّة الأمانات... ومن الأمانة حفظ الودائع وأداؤها لأصحابها عندما يطلبونها كما هي، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين، فقد كانوا يتركون ودائعهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم ليحفظها لهم، فقد عُرِفَ صلى الله عليه وسلم بصدقه وأمانته بين أهل مكة، فكانوا يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين، وحينما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ترك عليا بن أبي طالب رضي الله عنه ليعطي المشركين الودائع والأمانات التي تركوها عنده. إنّ المسلم لا ينبغي أن يغِشُّ أحدًا، أو أن يغدر به أو أن يخونه، وقد مرَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على رجل يبيع طعامًا فأدخل يده في كومة الطعام، فوجده مبلولا، فقال له: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال الرّجل: أصابته السّماء يا رسول الله، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أفلا جعلتَه فوق الطعام حتى يراه النّاس؟ من غَشَّ فليس منّي. (رواه مسلم) ومن الأمانة أن يؤدي المرء ما عليه على خير وجه، فالعامل يتقن عمله ويؤديه بإجادة وأمانة، والطالب يؤدي ما عليه من واجبات، ويجتهد في تحصيل علومه ودراسته، ويخفف عن والديه الأعباء، وتضييعه خيانة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. (مسند أحمد) فكل ما أعطاك الله من نعمة فهي أمانة لديك يجب حفظها واستعمالها وفق ما أراد منك المؤتمن وهو الله جلّ وعلا، وعلى المسلم أن يعلم أن الجوارح والأعضاء كلها أمانات، يجب عليه أن يحافظ عليها، ولا يستعملها فيما يغضب الله سبحانه فالعين أمانة يجب عليه أن يغض بصره، ويحفظ فرجه، والأذن أمانة يجب عليه أن يجنِّبَها سماع الحرام، ويده أمانة لا يأخذ بها رشوة، ورجليه أمانة لا يذهب بهما إلى ما يغضب الله، ولسانه أمانة لا يتكلّم به إلاّ بما يرضي الله، والمال أمانة أيضاً فلا ينفق إلا فيما أحلّ الله. ومن الأمانة أن يلتزم المسلم بالكلمة الجادة، فيعرف قدر الكلمة وأهميتها، فالكلمة قد تُدخل صاحبها الجنّة وتجعله من أهل التقوى، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} (إبراهيم 24) وقال صلى الله عليه وسلم: إنّ الرجل لَيتَكَلَّمُ بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغتْ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. (الإمام مالك) كما تكون الأمانة في حفظ الأسرار، فالمسلم يحفظ سرّ أخيه ولا يخونه ولا يفشي أسراره، ولو حصل بينك وبين صاحبك خصام فهذا لا يدفعك لإفشاء سرّه، فإنّه من لؤم الطباع، ومن أعظم الأمانات أن يلتزم المسلم بالتكاليف، فيؤدي فروض الدّين كما ينبغي، ويحافظ على الصلاة، والصيام، والزكاة والحجّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الأرحام، وبرّ الوالدين وصلة الأرحام ، وغير ذلك من الفروض التي يجب علينا أن نؤديها بأمانة لله رب العالمين. عندما يلتزم النّاس بالأمانة يتحقق لهم الخير، ويعمّهم الحبّ والأمن والأمان، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بحفظهم للأمانة، فقال تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (المؤمنون8 ) وفي الآخرة يفوز الأمناء برضا ربّهم، وبجنّة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.