رغم إفلاس الجُيوب فإن جمهور النادي الإفريقي تحرّك من الشمال إلى الجنوب ليُوفّر المال ويُنقذ ناديه الغَالي من الضَّياع. ومن جانبه رفض الرئيس السابق للفريق سعيد ناجي أن يلعب دور المُتفرّج وبادر بتقديم ما تيسّر من المَال وفاءً ل»مَريول» الجمعية وتأكيدا على انخراطه غير المشروط في هذه الهَبّة التاريخية. وفي الحوار التالي يتحدّث سعيد ناجي عن أزمة الإفريقي مُتعهّدا بمُواصلة التَحاور والتَشاور مع كلّ المدعّمين لأداء واجبهم تجاه النادي الذي منحهم شرف الانتماء ومعه الكثير من الشُهرة. في البدء كيف تفاعلت مع حملة التبرّعات التي يقودها جمهور النادي الإفريقي وسط انبهار المُتابعين؟ المشهد كان مُؤثّرا وباعثا على الفخر والإعتزاز. فقد أذهلت جماهيرنا الجميع بعد أن تبرّعت برواتبها ومُدخّراتها من أجل عيون الفريق. وقد شملت المُساهمات كل الفئات العمرية والجهات التونسية في إشارة صَارخة على الشعبية الجَارفة لنادي «باب الجديد». لقد ساهمت هذه الهبّة الكبيرة في تسديد جزء من الديون المُستعجلة وبرهنت بما لا يدع مجالا للشك بأن النادي يملك جمهورا استثنائيا بكلّ ما تحمله الكلمة من معان. والأهمّ من ذلك أن هذه التحرّكات أعادت للفريق الأمل بعد أن كان على شفا الانهيار. فقد أشعلت هذه الهبّة الشعبية حماس كلّ الجهات لتُبادر بدورها في عملية الإنقاذ بما تيسّر من مال أوحتى بالكلمة الطيّبة وذلك أضعف الإيمان. ومن المُلاحظ أن حالة الوعي التي أظهرها الجمهور هي التي حَفّزت بقية مكوّنات الجمعية لتمدّ يد المساعدة. وقد شهدت عملية التبرّع مُشاركة اللاعبين والمدربين والمسؤولين السابقين وحتى الأطباء. وكيف ساهمت في هذه الهَبّة الجماهيرية لإنقاذ الجمعية؟ لقد قُمت بواجبي وتبرّعت بما استطعت من أموال. لكنّني غير راض عمّا قدّمته ومازلت أطمح للمزيد لشعوري الراسخ بأن جمعيتنا تستحقّ تضحيات بغير حساب. والحقيقة أنّني اجتهدت كثيرا للمُساهمة في دعم جمعيتي في مِحنتها الراهنة خاصّة أنّني مُتقاعد منذ ست سنوات ولا أملك صراحة الامكانات الهائلة والثروات الطّائلة التي تُخوّل لي ضخّ المليارات كما هو شأن بَعض الميسورين. وبالتوازي مع الدعم المادي المُعلن لا أتردّد أيضا في تقديم بعض الإعانات للمجموعات التي سخّرت كامل جُهدها وكلّ وقتها لجمع التبرّعات في سبيل انقاذ الفريق . وأراهن كثيرا على علاقاتي الطيّبة مع كلّ الجهات لتوفير الدعم المنشود. ومن المعلوم أنني حافظت على حبل الودّ مع جميع المسؤولين الذين تداولوا على تسيير النادي الافريقي ولم أدخل في خلاف إلاّ مع شخص واحد وهو بلحسن الطرابلسي عندما حشر نفسه في ملف التعاقد مع المدرب الفرنسي «جون سيرافان» (تحصّل معه الافريقي على البطولة في موسم 95 / 96). يَعتقد البعض أن المُساعدات التي قدّمها الأنصار أحرجت «الكبايرية» المُتّهمين بالتَقصير في دعم الجمعية. فهل من تَعليق على هذا الموضوع؟ أؤمن شخصيا بأن النادي الإفريقي يستمدّ قوّته من تماسك عائلته بمن فيها من أحباء ومسؤولين ورؤساء سابقين. وأعتقد أن هذا الظرف الحسّاس والدقيق يحتاج إلى وضع اليد في اليد للعُبور بالجمعية إلى برّ الأمان. ومن هذا المُنطلق فقد حرصت شخصيا على دعم فريقي ماديا مع توظيف علاقاتي والتحرّك في كلّ الاتّجاهات في سبيل لمّ الشمل ودفع كلّ الأطراف الفاعلة للمُساهمة في عملية الإنقاذ. وقد تحدّثت مع السيد حمادي بوصبيع وتحصّلت على تطمينات بأنه باق على العهد وسيضخّ في حسابات النادي مبلغا مُعتبرا (مليار أو يزيد). هذا مع التكفّل بتقديم الضّمانات اللاّزمة لتمكين الجمعية من قرض بنكي يُقدّر بحوالي 5 مليون دينار. كما أن حمّودة بن عمّار سيلتحق بركب المُتبرّعين رغم صُعوبة الظروف التي كان قد عاشها في الفترة الأخيرة. هذا وحاولت الاتّصال أيضا بفريد عبّاس غير أنه تعذّر عليّ التحادث معه بسبب التزاماته المهنية في الخارج لكن معرفتي بالرجل تجعلني أجزم بأنه لن يتأخّر في القيام بواجبه تجاه ناديه. ويبقى الباب مفتوحا لكلّ «الكلوبستية» للمُشاركة في حملة التبرّعات بغضّ النظر عن قيمة المبالغ المُقدّمة. ولا يفوتنا في هذا السياق توجيه الشّكر والتقدير للجمهور الغَالي وكلّ الوجوه الرياضية التي شاركت في دعم النادي على غرار منير البلطي وكمال ايدير ومروان حمودية...وغيرهم كثير. هل تتبنّى الرأي القائل بأن سليم الرياحي هو المسؤول الأوّل والأكبر عن المَصائب التي يُواجهها نادي «باب الجديد»؟ هذا الأمر مُتّفق حوله. فقد أذنب الرّجل في حقّ النادي الافريقي وقام بتوريطه في مشاكل بحجم الجبال. والغريب أنه استعرض مُؤخّرا جملة من الشروط ليُساهم في دعم الفريق. ومن المُضحك حقّا أن يُطالب الرياحي بعزل الهيئة الحالية برئاسة عبد السلام اليونسي مُقابل توفير الدعم المادي للنادي. وكان من المفروض أن يُسارع الرياحي بدعم النادي دون شروط لعلّه يُكفّر بذلك عن ذنبه تُجاه الجمهور. هل نفهم من كلامك أنّك تضع الرياحي في قفص الاتّهام وتمنح شهادة البراءة لليونسي؟ سليم الرياحي يتحمّل الجانب الأكبر من «الكَارثة» التي حلّت بفريقنا لكن هذا لا يعني أبدا أن اليونسي بريء. وأعيب على اليونسي فشله الذريع في إدارة بعض القضايا وأستغرب شخصيا كيف يُمكن دفع غرامات ضخمة لبعض اللاّعبين الذين لم ينتفع منهم الفريق في شيء كما هو الحال بالنسبة إلى الثنائي الكامروني «سونغ» و»يمغا» (تعويضات بأكثر من 400 ألف أورو). وأتساءل أيّ دور لليونسي والخليفي في إدارة النّزاعات. وقد كان لِزاما على مكتب اليونسي تكوين لجنة قانونية تضمّ ثلّة من أبنائنا الشرفاء والأكفاء مثل ماهر السنوسي وزين العابدين الوسلاتي قصد المساهمة في مُعالجة النزاعات وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه قبل أن تُصبح الأحكام باتة. ومن حسن الحظ أن الجامعة تفطّنت إلى هذا الأمر وتدخلت في الوقت المناسب لإنشاء لجنة تُعنى بفضّ نزاعات الفريق ومُتابعة عملية التبرّعات. يُشاع بأن اليونسي لا يحظى بمكانة رفيعة لدى «الكبايرية» لأنه فاقد لصِفة الناس «البَلْدِيَّة». فهل من تَوضيح في هذا السّياق؟ هذه كِذبة كبيرة ولا وجود لها على أرض الواقع. فأنا شخصيا من الحامة وقد عِشت دهرا في النادي الإفريقي ويُمكنني القول بصوت عال إن هذه التّصنيفات من نسج الخَيال. كيف تنظر إلى دور الجامعة في مُعاضدة مجهودات الإفريقي لتخطّي أزمته؟ نستطيع القول إن جامعة كرة القدم قامت بالواجب تُجاه النادي الافريقي الذي يبقى من القِلاع الرياضية الكبيرة في تونس . ومن الضروري التأكيد على أن العلاقات بين الجمعيات والاتّحاد المُشرف يجب أن يسودها التناغم والتعاون لا العِداء خاصّة أن الطرفين تربطهما مصلحة واحدة وهي تطوير اللّعبة وحُسن سَير النشاط الكروي. كيف تقرأ مستقبل النادي الإفريقي؟ أنا واثق من تجاوز الأزمة الحالية بفضل الوقفة الحَازمة للجمهور وكلّ الغيورين على الجمعية. ولا يُساورنا أدنى شك في أن المُستقبل واعد رغم المُعاناة. وأعتقد أن عملية الإصلاح تَنقسم إلى مرحلتين: الخطوة الأولى تكمن في تصفية الديون والتخلّص من جحيم العقوبات الدولية. أمّا الخطوة الثانية فإنها تتمثّل في استعادة هُويتنا المعروفة والقائمة على التسيير المُحكم وتكوين الشبان بدل التورّط في انتدابات فاشلة ومتبوعة بنزاعات كبيرة وعُقوبات بالمليارات. وقد جاءت الأزمة الراهنة لتُؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن النادي الإفريقي يملك خزّانا من المواهب الواعدة. ولاحظنا جميعا بروز العديد من الأسماء الشابة في التشكيلة الحالية للمدرب لسعد الدريدي المشكور على العمل الجبّار الذي قام به إلى حدّ الآن. في الخِتام ما هي شهادتك حول الرئيس السابق للنادي الإفريقي عزوز لصرم؟ حَقيقة تعجز الكلمات عن وصف السيّد عزوز لصرم خاصّة أنه شكّل الاستثناء ويبقى بشهادة الجميع أحد أفضل الرؤساء في تاريخ الإفريقي والكُرة التونسية عُموما. وبالتوازي مع بصمته الكبيرة في مسيرة النادي الإفريقي أرسى المرحوم علاقات مُتميّزة مع بقية الجمعيات على رأسها الترجي الرياضي بقيادة مسؤول استثنائي أيضا وهو الراحل حسّان بلخوجة. لقد قدّم لصرم وبلخوجة خدمات جليلة لفريقيهما وبرهنا للجميع أن الروابط بين الأندية التونسية أكبر بكثير من التنافس على البطولات والكؤوس. ويُمكن القول إن الرجلين كانا فعلا يُغرّدان خارج السّرب وما أحوج كرتنا إلى مِثل تلك العلاقات الطيّبة والعَقليات الراقية.