خلال موسم 2003 / 2004 وقف العِملاق الألماني «بوروسيا دورتموند» على حافة الإفلاس خاصّة بعد أن قفزت ديونه إلى 120 مليون أورو (ما يُعادل في وقتنا الرّاهن 376 مليارا). وكان الفريق مُهدّدا في وجوده وساد الاعتقاد آنذاك بأنه سائر بخُطوات ثابتة نحو الإندثار. هذا قبل أن يتمكّن من انقاذ نفسه في الدقيقة التسعين والفضل يعود إلى أبنائه الذين قهروا المُستحيل وقادوا حَملة شعبية شارك فيها الجمهور والمسؤولون واللاعبون والمدرّبون وحتى ألد الخُصوم الرياضيين والكلام طبعا عن «بَيارن» المُتعاطف مع مُنافسه من باب الغيرة على سمعة «البوندسليغا». الديون كانت مُفزعة وبَاعثة على اليأس والاحباط ومع ذلك فإن مسؤولي «دُورتموند» واجهوا الأزمة بعزيمة كبيرة ونجحوا في وضع خطة ناجعة للإفلات من شبح الإفلاس المتبوع بالإنحدار إلى الأقسام السّفلى وهوما يُشكّل كَارثة حقيقية بالنّظر إلى عراقة النادي وشَعبيته الواسعة. وبالتوازي مع خطة الانقاذ التي وضعها المسيّرون ظهرت العديد من المبادرات الرمزية والتي ساهمت في تحفيز الناس للمُساهمة في عملية الانقاذ ولو بالقليل من المال. المدرب «مَاتياس سامر» بادر من تلقاء نفسه بالتَخفيض في راتبه تعاطفا مع ناديه في هذه «المِحنة» الكبيرة والتي قد تهدم أحد أضخم القلاع الكروية في ألمانيا. ولم يكن «سامر» يعرف أن هذه الحركة البسيطة والتي قد لا ينتبه لها أحد ستدفع اللاّعبين إلى النسج على منواله والتنازل عن حوالي 20 بالمائة من «الشهريات» التي يعيشون بها. «التصرّف المَلكي» للمدرب ولاعبيه حرّك الألاف من الأنصار ليدعموا جُهود الانقاذ بما استطاعوا من مَال وقد جلبت تلك الهبّة الشّعبية احترام الصّديق وحتى «الخَصم» مثل «بَيارن» الذي لم يتردّد كثيرا لدعم «دورتموند» تأكيدا على تماسك الجَسد الألماني وانتصارا لسُمعة «البوندسليغا». والحقيقة أن مِثل العقلية الراقية ليست صناعة غربية وإنما هي من التقاليد «المَنسية» في تونس التي شهد أهلها من زمان على الوقفة الحازمة للرئيس السّابق للنادي الافريقي مع الترجي إلى حين تجاوز أزمته المَالية. وهذه المُبادرة النبيلة تبقى من الدروس الخالدة و»المَرجعيات» الثابتة لتأكيد التَضامن الكبير بين الأندية التونسية المُهدّدة جميعها بالأزمات حتى وإن كانت تملك كنوز قارون وأموال «بيل غيتس». إن حديثنا المُطوّل عن «مُعجزة» «دورتموند» يهدف أوّلا وأخيرا إلى الاستظهار بعيّنة حيّة عن مُجابهة «الكَوارث» مهما كان حجمها. ولاشك في أن تجربة «دورتموند» تُلهم كل الأندية التي تعيش تحت تهديد العقوبات كما هو شأن النادي الافريقي صاحب الرباعية التاريخية والقاعدة الشعبية المُمتّدة من منزل عبد الرّحمان شمالا إلى بن قردان جنوبا. «أزمة» الافريقي حادّة ولم يعرفها النادي منذ نشأته الأولى في 4 أكتوبر 1920 بقيادة ثلّة من المُناضلين رياضيا ووطنيا أمثال البشير بن مصطفى وجمال الدين بوسنينة وحسن النويصري الذي كان يُجاهد ليجمع من كلّ لاعب فرنكا ونصف حتى تعيش هذه الجمعية وتسلك طريقها نحو المجد لمدّة قرن من الزّمن. نعم «الأزمة» في حديقة القبائلي مُفزعة وتَهدّ الجبال خاصّة أن الديون مارست القفز العَالي وحطّمت كلّ الأرقام القياسية لكن هذا لا يعني أبدا الاستسلام خاصّة إذا كان الفريق يملك جُمهورا ضحّى بالنفس والنفيس من أجل عُيون «الغَالية». جمهور من ذهب يُشجّع بغير حساب ويتبرّع لناديه بالمَال وهو فَاقده. ولاشك في أن ما قام به بعض الأحباء على هامش الحَملة المفتوحة لدعم الفريق تُغني عن كلّ الكلمات التي يُمكن أن نقولها عن «شعب» الافريقي. فقد تبرّع أحدهم براتبه كاملا لأداء واجبه تُجاه جمعيته المُحتاجة في هذا الظرف الصّعب إلى الدعم ولو بدينار كما فعل من قبل الطفل أمير الرزقي. ولا يُساورنا أدنى شك في أن الجماهير العريضة للنادي الافريقي قادرة على جَمع المليارات وانقاذ هذا الصّرح الرياضي الكبير مهما كان الثمن. لكن هذه الهبّة الجماهيرية في حاجة أيضا إلى من يَدعهما ويُؤازرها لتكون عملية الانقاذ أنجع وأسرع. والكرة ستكون في مرمى «الكبايرية» المُطالبين بضخّ المال ردّا لجميل الجمعية التي منحتهم شرف قيادتها وصنعت شُهرتهم. ومن الضروري أن يكون هؤلاء في الصُفوف الأمامية للمدعّمين خاصّة أن بعضهم يلعب بالمليارات وقد تكون ديون النادي الافريقي أشبه بالنُقطة في بحر خَيراتهم التي ستشهد على «تقصيرهم» أمام الله والتاريخ والجمهور في صُورة لم يتحرّكوا لنَجدة فريقهم. بالإضافة إلى الجمهور و»الكبايرية» هُناك النجوم القادرة على دعم مجهودات الدعاية لحملة التبرّعات التي تحتاج في نظرنا إلى «أسطورة» بحجم «عتّوقة» ومسؤولا برفعة حمودة بن عمّار ليُلهبوا حماس الناس المغرومين بالجمعية ويُنعشوا الحساب البنكي وهو بين أياد أمينة وستذهب أمواله إلى «الدائنين» دون أن يَضيع منها مليما واحدا. انقاذ الافريقي هو أيضا من مشمولات الجامعة والدولة التونسية خاصّة أن هذا الفريق سَاكن في قلوب شق واسع من الشعب وقد لا تخلو «دشرة» واحدة من محبّ لنادي «باب الجديد» الذي قدّم خِيرة أبنائه وبناته للمنتخبات الوطنية كما أنه شرّف رياضتنا في كرة القدم واليد والسلّة والطائرة والسّباحة وحتّى في ألعاب القوى. ولا نستثني الاعلام الذي يَعيش من نجاحات و»أزمات» النادي الافريقي الذي سيَتعافى رغم كلّ المصائب التي حلّت به نتيجة ضياع «هُويته» المَبنية على التسيير المُحكم والتكوين السليم من أيّام «عتّوقة» والشايبي وصولا إلى جيل الرّباعية. ... ويا جبل ما يهزّك ريح.