بين اعتماد منطق «الكفاءات» أو اختيار الأسماء على قاعدة «الولاءات» يبقى القرار الأخير للمكلف بتشكيل الحكومة الحبيب الجملي، الذي يُلقى على عاتقه المراهنة على حكومة في مستوى الإصلاحات التي تتطلبها القطاعات في تونس، أو الاكتفاء بنسخة جديدة من حكومة المحاصصة الحزبية. تونس (الشروق) شكل الحكومة التي تم تكليف الحبيب الجملي بتشكيلها وبرنامج عملها من اهم الملفات المطروحة على الساحة السياسية ،خاصة في ظل ارتفاع نسق التساؤل حول الآليات التي سيعتمدها الجملي في ضبط ملامح حكومته، إن كان سيواصل في منطق «الارضاءات» الذي ميّز توزيع المناصب في اغلب الحكومات السابقة، أو سيغيّر منطق الاختيار الى المراهنة على «الكفاءات» ويجعل من الحكومة الجديدة ،حكومة عمل واصلاحات. ضعف التصويت للغنوشي معطيات عديدة قد تُكبّل الحبيب الجملي وتجعله يرتهن الى ما تفرضه الأحزاب، خاصة وان الحزام السياسي الذي شكلته حركة النهضة لدعم مرشحها لمنصب رئيس البرلمان، كان ضعيفا ،حيث لم يتحصل الغنوشي سوى على 123 صوتا فقط، وهو ما يدفع في سياق ضرورة توسيع هذا الحزام والبحث عن حلفاء جدد. انطلق الجملي في سلسة من المشاورات التي ستجمع المنظمات الوطنية والأحزاب، وسيسعى من خلالها الى ضمان اكبر قدر ممكن من السند السياسي للتشكيلة الحكومية التي سيقدمها، في جلسة منح الثقة، لكن الأحزاب التي سيلتقيها الجملي من شروطها المبدئية تمكينها من نفوذ داخل الحكومة. الخضوع للاملاءات الجملي الذي يؤكد على انه طلب من حركة النهضة تمكينه من الحرية المطلقة لاختيار فريقه الحكومي، والذي يشدد على انه لن يخضع للاملاءات، سيجد نفسه مجبرا على تقديم التنازلات للأحزاب لضمان مساندتها وهو ما سيوقعه في فخ المحاصصة الحزبية الذي يشدد على رفضه. خارج سياق «ترويكا» حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، يسعى الجملي الى ضمان أصوات نواب حزب التيار الديمقراطي، وهو ما يجعله في مواجهة طلب هذا الحزب، المتمثل في تمكينه من ثلاث وزارات وهي وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الإصلاح الإداري وهو ما يجعل الجملي امام خيارين، اما الموافقة على شرط التيار وبالتالي يخضع الى منطق المحاصصة الحزبية أو يرفض شرط التيار ويخسر أصوات نوابه. توزيع الحقائب مسار المفاوضات سيقود الحبيب الجملي الى فتح نقاشات مع حركة الشعب، والتي تؤكد عديد المؤشرات ان النقاشات التي فتحتها معها حركة النهضة قد قدمت بشكل إيجابي، ولئن كانت حركة الشعب قد طالبت منذ فترة «بحكومة الرئيس» كما اقترحت الصافي سعيد رئيسا للحكومة، إلاّ أنها تُفاوض أيضا على بعض المناصب مثل منصب وزير التربية ومواقع أخرى، وهو ما يجعل من العجيلي في مواجهة خياري «المحاصصة» او خسارة الأصوات. في الظاهر تبدو النقاشات الدائرة حاليا، تتمحور حول برنامج عمل الحكومة ويغذي هذا البروز ،التصريحات الرسمية لعدد من قيادات الأحزاب، لكن في الحقيقة ،أغلب المشاورات تدور حول توزيع الحقائب الوزارية وتقاسم النفوذ في تشكيلة حكومية قد يُصبح الانتماء لها مرتبطا بالانتماء الحزبي بعيدا عن منطق «الكفاءة» الذي من المفترض ان يكون الدافع الأساسي لاختيار أعضائها. لا للمحاصصة المكلف بتشكيل الحكومة الحبيب الجملي، على علم بما يحيطه من مخاطر المحاصصة، وهو ما دفعه للتصريح بأن فريقه الوزاري «سيضم عددا من غير المتحزبين بالإضافة إلى أسماء متحزبة شريطة أن تتوفر فيهم الكفاءة والنزاهة ونظافة اليد.»، وأضاف أنه سيتم تدارس هيكلة الحكومة خلال المشاورات الرسمية مع الشركاء الطبيعيين على أساس فرضية التقليص في عدد الوزارات، مع امكانية إحداث أقطاب للوزارات ذات النشاطات المتجانسة. محاولة الحبيب الجملي السير في طريق الأقطاب الوزارية والتقليص قدر الإمكان من عدد الوزارات، يمكن اعتباره خطوة خارج منطق المحاصصة، ان تمكن من تنفيذ ما صرّح به ،ويمكنه في هذا السياق الاعتماد على شخصيات مستقلة ذات كفاءة ولا تجمعها خلافات مع الأحزاب التي ستصوت للحكومة، وتبقى قدرة الجملي على اقناع الأحزاب بهذا التمشي العنصر الأبرز في تحديد وجهة تصويت النواب. يُطرح على حكومة الحبيب الجملي، إن تمكن من تشكيلها وتحصيل ثقة النواب فيها، القيام بإصلاحات اقتصادية لا تحتمل التأجيل، إضافة الى فتح الملف الاجتماعي والبحث عن حلول لعديد المشاكل التي تُبقي هذا الملف قابلا للتفجير في أية لحظة، وهو ما يدفع الجملي الى ضرورة الحرص على اختيار كفاءات قادرة على القيام بهذا الدور في زمن قياسي. الشواشي : مطالبنا بثلاث وزارات ليس قرآنا منزلا قال النائب عن التيار الديمقراطي غازي الشواشي، إن الحزب معني بمشاورات تشكيل الحكومة وبالمفاوضات مع رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي في صورة توجيه الدعوة للحزب.وأضاف الشواشي«كان من بين شروط دخولنا الحكومة أن يكون رئيسها شخصية مستقلة عن النهضة وعن قياداتها، وهو ما حدث بالفعل.. فالحبيب الجملي ليس منخرطا في النهضة ولم ينخرط فيها، ونحن مستعدون للتفاوض معه». أما عن شروط التيار للمشاركة في الحكومة، وهي الثلاث وزارات التي طالب بها، قال الشواشي «لكن هذه الشروط ليست قرآنا منزّلا فنحن سنستمع لإجابة رئيس الحكومة الذي قد يستجيب لبعض شروطنا ويطالب بتعديل جزء آخر.. هدفنا مشروع حكم وبرنامج وليس محاصصة» . الجملي يرفض المحاصصة الحزبية شدد رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، على أنه سيضع حدا للمحاصصة الحزبية في الحكومة التي سيشكلها. وقال الجملي في تصريح إعلامي إن اختيار أعضاء الحكومة القادمة سيكون على أساس البرامج والكفاءة لا الإنتماءات الحزبية. وأضاف «الوضعية حرجة وهذا أمر تعي به كل الأطراف، أنا على ثقة أن بإمكان الكفاءات التونسية وبالتعاون مع الشركاء، أن تجد حلولا، نحن على ثقة في إرادة التونسيين واقتدار الخبراء والمختصين على إيجاد حلول ملائمة للإشكاليات».