تصاعدت حدة التصريحات خلال الأيام الأخيرة من عدد كبير من السياسيين دون أي مثيرات تذكر ودون أي اعتبار لضوابط الاخلاق السياسية او لقواعد العمل المشترك التي تفرضها العلاقة السوية بين الاسوياء . تونس الشروق : التصريحات الحادة التي تعتمد كثيرا من الاحكام المبالغ فيها والاتهامات المتسرعة مثل الفساد والإرهاب لم تعد تقتصر على الفضاءات الافتراضية التي بدأ التونسيون يتعودون عليها ويتقبلونها من منطلق عدم جدية أصحابها او من منطلق اعتبارها من الأكاذيب التي لا يلقى اليها بالا طالما هي صادرة من أناس نكرات لا تمثل شيئا لدى عموم الناس . لكن الغريب ان تتحول هذه الأساليب الى الفضاء الواقعي وتتحول الى تصريحات يطلقها اشخاص معروفون ويتقلدون مواقع في الحياة العامة مثل السياسيين او أعضاء المجلس النيابي . حمى الملاعب بعد الثورة شهد المجال السياسي هجرة جماعية للجماهير الرياضية نحو الملاعب السياسية واصبح القاصي والداني يتحدث في تفاصيله الدقيقة ويقدم دروسا يحسب انه مخترعها ولم يسبقه اليها احد وتحولت المجالات الأخرى الى اوعية خالية من الحياة .وان يكن ذلك مفيدا الى حد ما ويدل على تنامي حالة الوعي المرتبط بقيمة الحرية فانه جلب معه سلوكات رديئة كانت مرافقة لهذه الميادين قوامها كثرة الاتهامات الباطلة والزعيق والصراخ والكلام البذيء. وهو ما يطرح ضرورة احداث ميثاق أخلاقي لعل يوسف الشاهد رئيس حكومة تصريف الاعمال اول من نبه اليه وطالب باحداثه قبل بداية الانتخابات الأخيرة بعد تردي الأوضاع السياسية رغم انه كان احد المساهمين المباشرين فيها بعد التصريحات التي اطلقها تجاه عدد من قيادات نداء تونس زمن الانفصال عنهم والتضاد معهم . التيار لم يتوقف مع نهاية الانتخابات وما افرزته من نتائج بل لعله زاد بعدها بشكل ينذر بالخطر ومن امثلة ذلك ما صرح به امس النائب عن حزب تحيا تونس مصطفى بن احمد في رده على النائب السيد الفرجاني بعد تصريح الأخير بان رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد رفع جملة من المطالب الى رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لكنها رفضت مما دفعه للقول بأنه غير معني بالحكم. اذ سارع بن احمد للتعليق بقوله إنه من «الوقاحة» أن يتحدث القيادي في حركة النهضة عن معطيات لا تخص حزبه. ولعل الرداءة وصلت أقصاها مع تصريح النائب عن حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني بعد تلفظه بكلام بذيء في احدى الحصص التلفزية ورغم استنكار مقدم البرنامج فانه تشبث بعبارته على أساس انها لفظة مستعملة في مسقط راسه . الاتهامات الخاوية وفي مجال قريب من الكلام البذيء واشد خطورة منه باعتبار البلبلة التي يحدثها في الاذهان بما يهدد السلم المجتمعي ما دأبت على اطلاقه سامية عبو من اتهامات يمينا ويسارا فقد صرحت في حوار صحفي امس « أن رفض الاستجابة لطلب حزبها سببه أن النهضة تعتمد وزارات العدل والداخلية للابتزاز والتجسس وخدمة اللوبيات وتبييض الاموال وتسوية ملفات البعض وتهديد المعارضين.» ولم توضح كيف تكون النهضة بهذا الوصف ومع ذلك يتفاوض حزبها معها للدخول في حكومة واحدة ولا كيف يمكن ان تكون العلاقة بين الحزبين بعد الاوصاف الكثيرة التي تطلقها والنعوت الغريبة التي تتطلب فتح أبحاث قضائية لا تنتهي حولها . خطورة هذه التصريحات لا تقتصر على تأثيراتها الأخلاقية بل تتعداها الى التأثير على المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة المكلف فبينما يسعى هو جاهدا للملمة الصفوف والقفز فوق الخلافات في محاولة لايجاد صيغ مقبولة لاوسع مشاركة يعمد عدد من السياسيين الى افشال هذه الجهود بالكم الهائل من الاتهامات والتصعيد اللفظي في محاولة لتسميم الأجواء وضرب المنسوب الضعيف للثقة . ولعل الخطاب السياسي اصبح يحتاج الى قوة القانون حتى يعود كل شخص الى رشده ويلتزم بقواعد الاخلاق والحوار الرصين الهادف ، قبل فوات الأوان ورسالة الناخبين الى بعض الذين اشتهروا عنده بهذه الاوصاف كانت واضحة بان اقصاهم من المشهد نهائيا في حين منح فرصة أخيرة الى جزء آخر مازال فيه من لم يستوعب بعد قواعد التعامل الديمقراطي الحر والمسؤول في انتظار جولةانتخابية أخرى .