قدم مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف يوم الأربعاء 20 نوفمبر الجاري العمل المسرحي الكوميدي الجديد «ذئاب منفردة» دراماتورجيا وإخراج وليد الدغسني بمشاركة مجموعة من الممثلين المحترفين بما كان محل إعجاب من أحباء هذا الفن الراقي. الكاف (الشروق) ويمثل هذا العمل إنتاجا جديدا تم عرضه قبل أن يعرض رسميا في أركاح أخرى بقاعة الفنان الراحل المنصف السوسي بمركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف بحضور فئة هامة من الكهول للاستمتاع بعرض «ذئاب منفردة» الذي يناقش قضايا الإنسان في العصر الحاضر وما تلعبه الأنظمة السياسية من دور في الانحراف بجوهر الأمور وولوج الإنسان إلى عالم غريب تحمله إليه جملة من الانكسارات والمشاغل النفسية والاجتماعية. العمل في ظاهره كوميديا ساخرة وفي باطنه نقد لاذع لمختلف الأوضاع التي يعيشها الفرد في حياته اليومية ، وفي علاقته بالأسرة والمجتمع ومختلف الأطراف التي يمكن أن تؤثر سلبا أو إيجابا في مسار حياته. وذلك بمشاركة ممثلين محترفين مثل : منجي الورفلي ومنير الخزري ومنير العماري ووليد الخضراوي ونورالدين الهمامي وشيراز العياري وسيف الدين الشارني. انتفاضة مسرحية وتدور أحداث المسرحية حول: «لحظات مبتورة وغير مكتملة تبحث عن معنى لوجودها في حيز العبث واللاجدوى الذي يجتاح العالم ويصرّ على التغلغل في أشد مفاصل الحياة تعقيدا وفوضى. لوحات مسرحية منتفضة وجادة تقتنص فطنة المسرح ونباهته لتقول ما يجب أن يقال في كل ما يحف بحياة الإنسان اليوم من زوال واضمحلال قيمي وانفراد قسري نحو ذئبية أخرى أكثر توحشا وانعتاقا من جحيم الكائن والمتفق». تجديد ركحي فالأدوات المسرحية ومختلف الأشياء التي وظفها الدغسني في الإنتاج والإخراج انزاحت بالمتقبل من الظاهر إلى الباطن ومن الموجود إلى المنشود ومن الواقعي إلى الخيالي كأن يطرح الممثل منجي الورفلي أثناء تألقه في الأداء أسئلة واستفسارات تعكس الألم بمعناه الجميل. فهو يتلذذ متاعب الحياة ويتقبلها من أجل العودة بالذات من عالم الانفراد والوحدانية إلى عالم يسوده الحوار والتواصل مع الآخر عملا بمقولة الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان». فهو عدو حقيقي وأكثر من ذئب بقوله «إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب» للإقرار بأن الإنسان عدو دائم وفاسد في حق أخيه، حتى أنه إذا سالمه ، نهشه واستمتع بنهشه وأخفى حقيقة سلاحه وادعى مسالمته. وكأن المتقبل في هذا العمل إزاء صراع من أجل البقاء بما يستوجب وعيا ذاتيا بالمتغيرات التي لم تنفلت من المخرج لكي يؤطرها ويبوبها بعيدا عن الانحراف بالقول مع المحافظة على الخيط الرابط بين خفايا العمل المسرحي وما يتطلبه من حنكة في معالجة القضايا المصيرية والعدول عن الانحرافات التي تزل بالإنسان إلى الهاوية. فالذئب المنفرد هو قابع في ذواتنا لكن التخلص منه يتطلب إرادة ومسؤولية تجاه الذات وتجاه الآخر ، حتى أن معالجة مسألة الاغتراب الاجتماعي قد لا تقتضي أخصائيين نفسانيين أو اجتماعيين بل إنها تستوجب من الإنسان أن يكون «طبيب ذاته» بتجنب «الدمغجة» والانخراط في حاضنة التطرف والإرهاب وبالتالي فإن الدغسني لا يسعى من وراء عمله هذا إلى معالجة قضية الاغتراب بالإرهاب بل إن المسألة تقتضي محاسبة النفس أولا قبل أن تزل بها قدم إلى عوالم أخرى تتنافى مع كل ما هو إنساني وموضوعي. وحول اختيار مركز الفنون الركحية بالكاف لتبني هذا العمل بيّن الدغسني أنه «يندرج في إطار البحث عن المشاريع التي يمكن أن تضيف إلى رصيد المؤسسة فنيا وإنتاجيا. وهذا ليس بغريب عن الكاف وتاريخها الحافل منذ الستينات والفرقة القارة للمسرح وصولا إلى بعث المركز سنة 1993».