يمكن لنا أن نستعرض علامتين بارزتين للكتابة وتتمثل الاولى في ذكر الطقس الديني المستمد من الواقع القيرواني المرتبط بالموت بصفته معطى يوميا يتخطي الأنا السجينة والمحاطة بالحلم ويتبدى العنصر الثاني في مفهوم الفقير بتحديده الأسيوي كانسان مفرغ من اللذة والرفاهة والبحث عن أفق للوهو فالشعر المعاصر النثري يسري بين ضفاف واقعية جديدة متحررة من قيود الكون الآبق. وحري بنا أن نعود الى مقاربة الاستاذ سعيدي محمد : «إن « اقتران الشعر بالرفض » ميزة ينفرد بها الشعر أكثر من سواه من الفنون الأدبية الأخرى، ولعل أصح تعليل لذالك ما يرجع إلى نفسية الشاعر من جهة ، لذلك يرجع إلى طبيعة الشعر، من جهة ثانية ، وان الشعر فلم يكن ولن يك ّ ، بأوسع معاني الكلمة، فكل عمل شعري ّ ّ ثوري ّ ووزن الشعر كذلك شعرا بحق إلاّ لأن كون وتتمرد عليه ّ ُو فيه عنصر السرد ّما ينطوي على رؤية للواقع وهو يستحق هذا الوصف بجدارة إن الكتابة خروج من سكون « اللاتاريخ » إلى حركة التاريخ. من الطّراز الثوري ّ وهو بهذا المعنى فعل ثوري ّ الأول، وهو الضمان الأدبي ّ واطار امثل لأراده ّ لاستمرار فعل الرفض الثوري . فإذا كانت الثورة محدودة الهدف، ثم أتيح لها أن تحقق هذا الهدف، فإن الرافض وتقع في خطيئة السكون المميت داخل الوعي بالشعر و سرعان ما تفقد جوهرها الثوري . عند ذاك يظل الأمل معل ُ بأن يعيد إليها الحركة أو يعيد إليها جوهرها الأول » ِ وداخل فلك الكتابة يبدو الحب خارج اطار الهيكل الذي تحدث عنه الشابي ويندرج ضمن فعل فاكهة حرام في احالة الى النفس المسيحي المتمرد على الخطيئة والذي يستنجد بمرجعيات ميتافيزيقة ويحيلنا هذا القول الى استعراض موقع التراث واعلان قطيعة مع أركانها وهو العنصر الأساسي في ثنايا الحداثة الشعرية. وداخل قصيد الفاكهة الحرام قصدية واضحة: « يا الله خذني اليك... أو اليها... في عينيها فسحة الفجر فلا تتركني الهي وحيدا... هي نجم هي ما لم أشته من فواكه...وما لم يزكم عيوني...» ( ص.50) ومن المقاربات الشعرية يحيلنا القصيد الى عمل الشاعر الصغير اولا أحمد وفيها يتجلى نفس الالم والتماهي: « إلهي: لينبُتَ دودٌ مكانَ البلَحْ ذهبنا جميعا إلى الإنتخابِ ولم ينتخبْ أحدٌ مَنْ نَجَحْ! *** إلهي، حبيبي ويا سنَدي نشرتُ كتابًا جديدًا فبعْهُ بلا عددِ» وان تأملنا الفاكهة الحرام نجد أن النقاطي استعمل استعارات تقترب من معجم ابن سيدي بوزيد وربما كان لقدسية المكان ما يضفي على كتابة المدى والرفض علامة أخرى للتصدي للخنوع والتسلط وتوقع لاتساع رقعة الثورة بالعقول والافهام ولنا ان نقرا هذا الاعلان عن نظر داخل المنظومة الثائرة: «هي عيوني ...والمياه التي تعمدني... يا الله دع روحي اليك تفر فما اصبحت بعد ذوقها وما أمسيت قبل الغروب هي في كلمة صنبوري...» وهذا ما يدعونا لتصور العلاقة المبنية على صورة المراة الوطن والخروج عن المعهود بكتابة تتمرد وتدعو للتغيير وهو وعي باللحظة الفارقة فالشعر لا يسكن للنوم الابدي بل يوقظ الروح ويتجاوز النماذج المتخيلة ويبتعد عن تلك الاصنام التي خلقها اللهو اللغوي المفرط والحاجة الى تبيان نغمية تغامر وتلج مسارات للحلم غريبة عن واقع معيش وكانه بديل مفترض للخنوع والخوف لا يجترا على الكون. وقد اثار محمد الصغير اولاد احمد نفس الهواجس بذكر الانثى: « إلهي: أدُلكَ فورا عليْها على شفتيْها على حلْمتيها على إسمهَا العائلي على شَعرِها العسلي على ما تقولُ ولا تفعلُ إلهَ السماءْ: أضِفها إلى سُورة الشعراءْ! « وبين كل هذه الأغاني المتفردة ترى الشعار يستبطن في « قصيد الماء والشرفات» نهجا ثانيا يخترق به المدى العادي الى جوهر مختلف والى كينونة منفعلة تذكر الثمرة المحرمة والسير قدما نحو شاطيء النجاة ولا قارب في الافق حيث تبوح الحواس: « يستباح شخيري ما بين العين والاذن ينمو رعبي... أناشدها العودة الى منازلها من تحت ارضها تدس بيدي المفاتيح.. ألعن النخاس...أنبهر من عرض البساتين...حجم التفاح.. أهم بها...» ( ص. 74) ويكون بالتالي العنصر المائي مع دفق النار من منظور باشلار قد أعاد نقاء القدسية الى فناءها وأعلن الادراك الاول مع احالات خفية للرغبة بما ان الوعي الحسي هو اعلى قمم الانفلات من ربقة التقليد. مثلما يقول:» أدركت أن الماء اعمق اسئلتي» وهي بالتالي التساؤلات الفلسفية التي تنحت الذات.