لقد اختارت الشاعرة عوالم الحلم تقصدا للقيمة والصعود نحو الأعالي وتأصيلا للذات والكيان ومن هنا يكون للشعر شيء من الجدوى في ترميم ما تداعى من عطب في الوجود وفي إعادة التشكيل للعناصر والتفاصيل وهذا جوهر الشعر وجدواه في عالم معطوب...
تقول الشاعرة خلود المعلاّ في قصيدة «لا جدوى» بالصفحة 51: بقلبي أشكل الوجود أرسم مسارات الغيم.. لتتحول بين كفي أنهارا أعرف مصابها أدنو من البحر .... ها أنا أغمض عيني أرسم حلما أختار بلادا أتذكر وجوه الذين تخلوّا عن الحياة بعزيمة أراهم صاعدين نحو قمم لا نعرفها ليست لسواهم.
إنّ تجربة الشاعرة خلود المعلاّ فيها الكثير من الوفاء للكتابة بعيدا عن الافتعال وأوهام الصراخ ... فقصيدتها حيّز من التلوين المحفوف بالكينونة والذات حيث يبدأ العالم من هناك.. ولعل هذا الحشد من الأفعال بصيغة المضارع بضمير المتكلم يشي بالرغبة في الفعل بقصد تحريك الاشياء وإبراز الأنا الطافحة بأمل التغيير والحلم والفعل تجاه ما هو رمزي وجمالي وفي شتى المعاني وصولا الى الواقع.. هذا الواقع الذي صار أكثر سريالية في تداعياته المختلفة.
تقول الشاعرة خلود المحلا في قصيدة هكذا أحيا. بالصفحة 70: أسكن القلوب التي تدخلها الشمس من سقفها لأرى القلوب من مركزها ... أحب الاشياء التي أبتدع اسماءها لأنها تشبهني أتوق الى الروح التي تضيء العتمة لتصل اليّ وأرى في الوجود أشياء أفضل حان لي أن أسعى اليها أتحوّل الى حقول محبة في مواجهة العالم، كلما أزلت العدم من حولي وملأت حواءه بالصدق والأصدقاء.
هذه قصائد تستنطق الذات بحثا عن اللغة الصافية في ضرب من الشجن الخالص والبساطة المبكرة المحفوفة بكبرياء الشعر ومعانيه الفاتنة، كل ذلك يحدث بوعي فني وفق لغة مكثفة وصور محببة الى النفس.. إنه شعر يخاطب الوجدان والذات رغم ثقله الانساني من حيث الهموم والمعاناة.. انه الشعر في دلالته العميقة باعتباره الترجمان الشفاف بذكاء لكونه الدافع الى الابداع والابتكار والنظر المخصوص للذات وللآخرين.. والحلم عنوان باذخ من عناوين هذه الرحلة في الحياة وفي الشعر... وما الفاصل بين الحياة والشعر!!.
بوسعنا ان نقول ان قصائد خلود هي رحلة ساحرة لأجل الاقامة في الحلم وأيّة اقامة تلك... في قصيدة «صعود» بالصفحة 133 نقرأ ما يلي: للقمر أقفز فوق الصمت أصعد الظلمة المسكونة بالنجم عند باب الوصل أجد القمر غفا فأبقى هناك معلقة في الحلم.
عن هذه التجربة يقول الكاتب سيف المرّي: «خلود المعلا شاعرة استثنائية بحق، تعيش قلق الشاعرة والرغبة الملحة عندها في الانعتاق والتوحد مع الذات والطيران حتى ولو بجناح واحد..».
وفي جانب آخر يقول عنها الأستاذ نواف يوسف: «لقد دأبت خلود المعلا على كسر رتابة الشعرية المتفشية من خلال بديع متخيل على حافة الواقع بحس ومناخ صوفي».
إننا اذن ازاء تجربة شعرية مفتوحة على مزيد الابداع والمغامرة في ارض القصائد التي لا تعرف السكون والاطمئنان حيث الشعر عمل دؤوب في المتخيل والمبتكر وقد راهنت الشاعرة خلود المعلا ضمن هذا النهج الشعري الصعب والجميل لأجل قصيدة باذخة وانيقة وصادقة... انتهى