بقدر ما زعزع فيروس كورونا استقرارنا وغيّر نمط عيشنا وملأ القلوب خوفًا وارتباكًا، بقدر ما صاحبته ظواهر اجتماعيّة إيجابيّة جعلت من الجرثومة الخبيثة أداة لإبراز سلوكيّات تجمعنا وتجسّم تضامننا في الضّرّاء والسّرّاء. يوم الخميس الماضي، تمّ فتح الجناح الصّحّي الذي أقامه أحد رجال الأعمال في فضاء بالمستشفى الجامعي سهلول بسوسة. هذا الجناح سيمكّن من إيواء عدد هامّ من المصابين بالفيروس والذين يتطلّب علاجهم الإنعاش، إلى جانب خدمات أخرى، ويمكن القول أنّ هذه الحركة الإنسانيّة ستمكّن من إنقاذ عديد الأرواح البشريّة لم تقدر على علاجهم مستشفياتنا التي تعمل بتجهيزات طبّيّة متواضعة. ولئن تعدّدت مظاهر التّآزر من تونس ومن خارجها وصاحبها تألّق بارز لكفاءاتنا الطّبّيّة والصّحّيّة عمومًا، وهي التي تكدّ وتجدّ في ظروف غير مريحة في ظلّ سيطرة فئة جشعة على كلّ دواليب الحكم وإهمالها للبحث العلميّ الذي وضعته في المقام الأخير ورصدت له أضعف الميزانيّات في حين تنعم وزارات "شبحيّة" بكلّ التّمويلات والإمتيازات، فإنّ العقليّات لا تكاد تتغيّر رغم أنّ الظّرف الإستثنائيّ يحتّم التّعامل معه بمفاهيم جديدة. في هذا الإطار، تابعنا ببهتة وبألم ما جدّ في المستشفى الجامعي بمدنين حيث تمّ رفض استقبال مصاب بداء كورونا قادم من جربة، بدعوى أنّ الأسرّة بقسم الإنعاش قليلة العدد وتمّ تخصيصها لأهالي المدينة دون غيرهم، وهو ما حتّم نقل المريض إلى مستشفى أريانة بالعاصمة بما في هذه الرّحلة من مخاطر. هذا التّهوّر الذي يتعارض مع مبدإ الطّبّ أصلًا ويخالف القانون، أعاد إشعال فتيلة النّعرات الجهويّة، اقتداءً بأعلى هرم السّلطة، ابتداءً بالمنصف المرزوقي الذي تفنّن في هذا المجال، وصولًا إلى قيس سعيّد. والغريب أنّ مثل هذه الإنتهاكات تظلّ فوق القانون ويعجز عن إيقافها ممثّلو السّلطة بالجهة خوفًا على مصالحهم وعلاقاتهم إن لم يكن تواطؤًا مقنّعًا أضحى موضة الحكّام الذين يبحثون عن إرضاء أصحاب الجاه والمال على حساب المصلحة العامّة. وكأنّ هذا الأمر لا يكفي، تمّ الكشف أيضًا عن خليّة إرهابيّة كان يخطّط أصحابها لنقل عدوى فيروس كورونا إلى رجال الأمن للإنتقام منهم وبثّ البلبلة وفسح المجال أمام الأعمال التّخريبيّة والإرهابيّة. ولئن تشتّتت جهود الأمنيّين بحلول الوباء ببلادنا، فقد ظلّوا صامدين ويقظين وليس أمامنا غير التّنويه بمن كانوا دائمًا في الموعد حين يحتاجهم وطنهم للذّود عنه ببسالة. هكذا سارت الأمور خلال الأيّام الأخيرة، في حين واصل سيف الدّين مخلوف، رئيس ائتلاف الكرامة، التّهجّم على الزّعيم الحبيب بورقيبة بنفس الطّريقة المرضيّة الغريبة، في انتظار أن يتولّى الدّفاع عن الإرهابيّين الذين تمّ القبض عليهم، وهو المجال الوحيد لإبداعاته...