الساعة تشير الى الخامسة وتسع وعشرون دقيقة مساء يتعالى صوت المؤذن... كل المأكولات حضرت على المائدة أكواب لبن، تمر محشو بالزبدة والشامية، شربة، بريك، أرز، سلطة وحتى الزلابية حضرت بأصناف شتى لكنها بقيت في صحن في ركن من الصالة تنتظر دورها لان المائدة لم تستطع تحمل كل هذه الصحون الملأى بالمأكولات المتنوعة. هذا المهرجان من الصحن لم يستطع اخفاء مرارة الوحدة فعندما تتحدث الى العزاب في رمضان عن وحدتهم فإنك لا تسمع الا حكايات مليئة بالمعاناة والمرارة وايضا بالذكريات «الحلوة» والجميلة والطريفة يقل عياد وهو أصيل بني خداش قدم منذ سبع سنوات للعمل بالعاصمة وقد برقت عيناه واستشعر الحنين للمة العائلة: «اعيش هنا للمرة السابعة في رمضان وحيدا» ويضيف «الاجواء وأنت عازب غير خالية من البؤس أنا مثلا اشتغل بالنهار والسؤال الذي يؤرقني دائما، هو ماذا ستطبخ اليوم وحتى وان استطعت الطبخ في النهاية وأحضرت الشربة والبريك ومختلف أصناف الأطعمة فإن ثمة حنين يظل يلح عليك بالحضور هو وليد استحضار صورة الأب والام ومختلف أفراد العائلة والحنين الى الخطيبة ولجو اللمة الرمضانية هناك ومثل هذا الحنين سرعان ما يذهب بشاهيتك فلا مقارنة صدقني لا مقارنة. وباحساسه بالمعاناة يحكي سليم وهو طالب باحدى المؤسسات الجامعية عن تجربته مع شهر رمضان فيقول: «أعود من الكلية متعبا وقد فعل فيّ الصيام فعله فالمعدة خاوية والحافلة والميترو يزيدان تعبي ولكن والحمد لله نحن نسكن أربع أفراد اتفقنا على تقاسم الادوار أنا مثلا مهمتي غسل الأواني وانا سعيد بهذه المهمة فهي أهون من مهمة الطبخ التي تتطلب مسؤولية «ووسع البال» وحتى وان حضرت «السفرة» وتعالى صوت المؤذن فانك غالبا ما تتذكر امك وأباك وإخوتك فلا تملك الا دفن حزنك وقبر اشتياقك. نسيم وهو طالب اتم مشواره الدراسي وفي انتظار نتائج «الكاباس» له معاناته ايضا يقول «بطبيعة الحال الواحد منا مضطر بعد ان استنفذ حقه في المبيت في أن يبحث عمّن يسكن معه ويحاول ان يندمج معه وحتى وان يغيب قليلا مثل هذا الاندماج في سائر الشهور فان قدوم شهر رمضان يخلق اللحمة المادية والمعنوية المشكل الوحيد ربما اننا نشتغل وقد نعود الى البيت في ساعة متأخرة نسبيا وهو ما من شأنه أن يؤثر على الأكلة التي سنحضرها ومع ساعة الافطار يستبد بك شعور فياض الى «لمّة» العائلة فلا تجد من حل سوى اشعال سيجارة علها تبعد هذا الحنين. العزوبية أحلى! ورغم هذه المعاناة فان البعض تمرّس «بالآفات» وخبر عذاب العزوبية الى حد انه أصبح يفضلها على الحياة مع العائلة يقول صابر وهو طالب بالسنة الثالثة اختصاص فرنسية «بعد سنوات لم تعد تعنيني مائدة رمضان ولا لمته بل بالعكس عندما تعود الى العائلة تشعر باغتراب حقيقي رغم انك بين اهلك وتشعر بأنك مقيّد بحدود وضوابط. ثم ان مسألة أجواء رمضان وتقاليده قد فقدت نكهتها الاصلية التي تربّى عليها الفرد. إن رمضان العزاب مليء بالذكريات الجميلة والطريفة من ذلك اذكر ان أصدقائي الذين كانوا يسكنون معي طلبوا مني يوما ان اطبخ لهم ولكن شيئا من هذا لم يحدث فقد غرقت في بحر النوم ولم أفق الا على صوت آذان المغرب ولم أجد من بدّ سوى الاستنجاد بالعجة لشقان الفطر». عيادي ايضا غرق في النوم ولم ينهض الا في حدود السابعة صباحا ولكن بحكم ان البيت مظلم لم يقدر الوقت حق قدره فظن انها ساعة سحور فأكل وشرب ولكن واصل صيامه. نسيم يتذكر انه في كثير من الاحيان تحضر كل الأكلات ترى المائدة مرصصة لكن بمجرد أن تتذوّق الشربة تجدها بلا طعم ولا رائحة ولكنك لا تملك الا مواصلة الاكل لا من أجل إسكات آلام الجوع فحسب وانما اجلالا واحتراما لصديقك الذي قضى ساعات طويلة في طبخها. إن المشكل ايضا أننا متعددو الأذواق منا من يحب ان يضع كمية كبيرة من الفلفل مثلا والآخر تجده يكره الملح وآخر يعاني آلام المعدة هكذا تتعدد المذاقات وتختلف. وقد يستنجد بعض العزاب بالتعليق والسخرية من الأكلة المقدمة من طرف صديقهم كأسلوب لزرع البسمة ونسيان مرارة البعد لكن اصدقاء سليم مثلا سلكوا غير هذا المسلك يقول: «لقد علّقنا منذ الأول من رمضان ورقة كبيرة مكتوب عليها ممنوع التعليق ومعلقة مثل هذه عادة ما نضعها على المائدة مع الشربة وبقية المأكولات تجنبا للنقد والتعليق».