في حالة غير مسبوقة من الرّعب والاستنفار الأمني، تستعدّ واشنطن غدا الاربعاء نهائيا لطي صفحة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي ترك أحدث زلازل في سياسة بلاده الخارجية وترك آخر في الداخل. عندما تذكر اسم ترامب وإدارته في أمريكا فإنه يعني لدى نخبة البلاد عهدا أسود لطّخ سمعة أمريكا وشوّه صورتها وأحدث شرخا عميقا داخل مجتمعها وترك البلاد تصارع التقسيم والكراهية وربّما حتى الحرب الأهلية. وطيلة 4 سنوات من حكمه لم يكن ترامب ومعه أمريكا "شرطي العالم" كما دأب الأمريكيون والمجتمع الدولي على رؤيته، بل تقمّص قولا وفعلا شعار حزبه الجمهوري وهو الفيل ودمّر كل شيء في طريقه. فخارجيا كانت الحصيلة "الترامبية" كارثية، بدءا بالانسحاب من أكثر من عشر منظمات دولية وقراراته الجنونية تجاه القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية، وصولا الى ابتزاز كل من وقعت عينه على أمواله، حتى أقرب الحلفاء. أما داخليا فقد ترك البلاد منهكة بفيروس كورونا ويسودها خطاب الكراهية والتقسيم الذي سيكون أكبر تحدّ لخليفته جو بايدن الساعي الى إعادة توحيد البلاد والمصالحة والعدل بين شعبها. لم يكف ترامب ذلك، بل أراد الانقلاب على العملية الديمقراطية برمّتها عندما رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وجيّش أنصاره لاقتحام الكونغرس( مبنى الكابيتول) في مشهد فوضوي لطّخ صورة أمريكا التي لطالما تشدّقت بالديمقراطية وسلّطتها سيفا على رقاب الجميع. الآن يبدو أن الأمور حُسمت على مستوى ذهاب ترامب وقدوم بايدن رغم المخاوف الأمنية الكبيرة التي سترافق هذه العملية التي تأتي في ظروف صحية وأمنية وسياسية ومجتمعية غير مسبوقة. أما كيف سيلملم بايدن جراح بلاده الداخلية والفوضى الخارجية التي خلّفها "الفيل" الجمهوري فهذا متروك ل"الحمار" الديمقراطي الذي يبدو أنّه لن يحيد كثيرا عن السياسات السابقة المرسومة. الخبير بالسياسات الاستراتيجية الامريكية يعرف جيّدا أن الرؤساء يكونون مجرّد لافتة في الواجهة وأن كل شيء مخطّط له وما على الرئيس سواء جمهوري او ديمقراطي إلّا الطاعة والتنفيذ. فهل يبدو مثلا أن بايدن سيتراجع عن أغلب القرارات التي اتخذها ترامب خاصة التي تصبّ أغلبها في مصلحة الكيان الصهيوني من القضية الفلسطينية الى التطبيع الى محاولة تركيع إيران؟...لا أبدا، ولو قيد أنملة. ولمن لا يعرف بايدن فإنه يعتبر نفسه صهيونيا حقيقيا ومن الداعمين الكبار للكيان الصهيوني ولسياساته وربما سيزيد خطوات أخرى فوق الخطوات التي اتخذها ترامب تجاه فلسطين والشرق الأوسط ككل. وللعرب المطبّعين أقول لا تفرحوا كثيرا بسقوط ترامب وقدوم بايدن، فالأقنعة فقط من تتغيّر وليس السياسات والمواقف الامريكية، ومن نجا من دهس "الفيل" حتما سترديه ركلة "الحمار". بدرالدّين السّيّاري