كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصحفيين في شهر أفريل..    الإعلامي زياد الهاني يمثل أمام القضاء..    البنك الأوروبي لاعادة الأعمار وشركة خاصة يوقعان إتفاقية تمويل مشروع للطاقات المتجددة بفريانة    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    عاجل/ الاحتلال ينفذ سلسلة من المداهمات والاعتقالات في مناطق متفرقة من قطاع غزة..    إنقاذ طفل سقط في بئر عميق بالقيروان    القيروان :الاحتفاظ ب 8 أفارقة دون وثائق ثبوتية يعملون بشركة فلاحية    نابل: تفكيك شبكة مختصة في ترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    لاجؤون سودانيون يطالبون بإجلائهم نحو رواندا    أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    آخر كلمات الإعلامي الرياضي أحمد نوير قبل رحيله...رحمه الله    سليانة: توقّعات بتراجع صابة حب الملوك في مكثر    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    سيف الله اللطيف ينتقل الى الدوري الهولندي الممتاز    كوناكت: الانتقال الطاقي رافعة للنمو وخلق الثروة.. العراقيل والحلول والتوصيات (فيديو)    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    سيدي بوزيد: وفاة كهل وزوجته في حادث مرور    قابس: عدد الأضاحي تراجعت هذه السنة    اغتيال قائد في سلاح جو حزب الله بضربة للكيان الصهيوني    إتحاد الفلاحة : كتلة أجور موظفي إتحاد الفلاحة 6 مليارات و700 ألف دينار    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    يصنعون ''مواد المسكرة محلية الصنع القرابا'' و يقومون ببيعها بمدينة أم العرائس    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    عاجل : الكشف عن مصنع عشوائي لتعليب المنتوجات الغذائية و الأمن يتدخل    اتحاد الفلاحة: أسعار أضاحي العيد ستكون باهضة .. التفاصيل    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    انتخاب تونس عضوا بالمجلس الوزاري الإفريقي المعني بالأرصاد الجوية    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    اعزل الأذى عن طريق المسلمين    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية "و لي خطوات في فلسطين" لنجاة البُكري (1-3): من سيرة الكاتبة إلى سيرة فلسطين
نشر في الشروق يوم 05 - 02 - 2021

عن دار « زينب للنشر و التوزيع » صدرت في الأشهر القليلة الماضية، رواية للكاتبة نجاة البُكري جاءت حاملة لعنوان: " و لي خطوات في فلسطين" و ذلك في أربع و عشرين صفحة من الحجم المتوسط و مقسّمة على ثلاث و أربعين فصلًا، جاءت كلّها معنونة بأخبار ما يحتويه الفصل من أحداث، مع تضمينها في آخر الرواية لقصيد حمل عنوان: " أبكيك يا قدس".
و هذا التقسيم يعطينا فكرة انطباعية بأنّ الكاتبة اختارت سرد أحداث روايتها في شكل ريبورتاج صحفي يعتمد أساسًا على الدقّة في الزمن. فإلى أي مدى كان حدسنا صحيحًا ، و هل إنّ الكاتبة كانت وفية حقيقةً للشكل الذي اختارت من خلاله صياغة أحداث روايتها؟ أعود إلى غلاف الكتاب لأشير إلى أنّه كان من تصميم و إخراج أسماء بن حميدة، واحتوى على لوحة للرسّامة التونسيّة منية الشّاهد، إضافة إلى وضع عبارة:" رواية سيريّة" في أعلى الغلاف و قبالة اسم الكاتبة نجاة البُكري، فهل يُمكن التّسليم بعد هذه الإشارات، بأننا مقدمون حقيقةً على متابعة أطوار و تفاصيل السّيرة الذاتية للكاتبة حتّى إذا علمنا أنّها عاشت تجربة حياتية طويلة و مهمة في فلسطين؟ وأعني بسؤالي البحث عن مدى انضباط الكاتبة لتقنيات و ضوابط كتابة السيرة الذّاتية؟ و في قراءة سطحية و أوّلية للوحة الغلاف، أشير إلى أنّها قدّمت لي كمتطلّع إلى التّعرّف على أحداث الرواية، صورة امرأة حالمة، متأمّلة و متألّمة في آن واحد، لتظهر خلفها، و خلف قضبان النافذة صورة لمعمار المدينة.
و هنا وجدتني أتساءل: هل إنّ أحداث الرواية ستحمل لنا أخبار تجربة امرأة عادت منكسرة من هول الحرب و الحصار بعد أن كبّلتها الانهزامية و غلّقت عنها الحواجز معمار المدينة؟ أم إنّنا سنتابع أخبار تجربة، خرجت منها صاحبتها بوجه حالم متطلّع إلى الأمل بعد أن انتهت الأحداث بخبر نجاح الابنة الكبرى في امتحان الباكالوريا بتفوق و امتياز؟ و هذا في الحقيقة ما سأحاول البحث عنه من خلال هذه القراءة لرواية ( و لي خطوات في فلسطين).
و سأحاول كعادتي دومًا، الدخول إلى بعض أغوار هذا العمل الأدبي من خلال الاعتماد أولًا على بعض العتبات. فبعد الحديث عن الغلاف، أرى أنّه من المفيد التوغّل رويدًا رويدًا في صفحات الكتاب، علّنا نُمسك من خلال ذلك ببعض المفاتيح التي قد تساعدنا على فهم القليل من مقاصد النصّ و الكتابة بصفة عامّة لدى نجاة البُكري. فبعد الاطلاع على غلاف الكتاب و تلك الإشارة الأجناسية له ( رواية سيريّة)، نجد أنفسنا أمام نصّ الاهداء و الذي شعرت أنّه كان مطوّلا، و حمل في داخله الكثير من أسباب دوافع كتابة الرواية، حتّى و إن لم يحصل ذلك بطريقة مباشرة.
وعلى هذا الأساس أرى أنّ الاطلاع على نص الاهداء سيكون بالضرورة دافعًا للقارئ بصفة عامّة للإقدام على مطالعة الأحداث بشوق كبير، بما أنّه ساهم بقسط وفير في تقديم صورة أولية للكاتبة، و من خلالها للشخصية الراوية في الكتاب. و هذا هو نص الاهداء كما جاء، و للقارئ الحكم بعد ذلك على صحّة ما ذهبنا إليه: " إلى روح أمّي الحبيبة( رحمها الله) الّتي رافقتني دعواتها حيث وطئت إلى روح والدي التي شاءت الأقدار أن يُغادرنا مبكّرا فتاهت طفولتي من بعده. سلاما إلى زوج و رفيق درب دعاني إلى نابلس كي أراها كما يراها و كما يتمنّى أن تكون. و إلى رفيقتيْ قبل الطريق و بعده حبيبتيْ و قرّة عيني نهى و ليلى ليكون الوجود أحلى معهما دائم تحدّ بلا نهاية. إلى أهلي و أصدقائي معين محبّة و سندا دائما. إلى تونس الوطن الحضن و الاستثناء.
إلى فلسطين و رسائل حمّلتنيها و إلى روح كل شهيد. محبّتي الخالصة " ( ص: 5) و أكاد أجزم أنّ هذه الاهداءات و رغم كثرتها، كانت مفيدة جدًا لي كقارئ لرسم بعض ملامح الذات الكاتبة التي ستروي لي الأحداث، حيث علمت أنّها يتيمة الأبوين( الأب منذ الطفولة، و الأم بعد سفرها)، كما سافرت كأم لبنتين من أب فلسطيني، إلى جانب حملها للقضية الفلسطينية. و مثل هذه المعلومات شعرت بقيمتها حين انطلقت في مطالعة أحداث الرواية. حيث كنت متشوّقاً إلى تلمّس نجاحات الكاتبة فيمزج التّفاصيل الذاتية، مع المشترك الجمعي في تفاصيل ما ستخبرنا عنه الرواية. أو هذا هو حلم القارئ الذي كان يسكنني طوال مطالعتي للرواية. بعد هذا الإحساس الذي تملّكني، وجدت نفسي مباشرةً أمام تقديم أول في صفحة و نصف من تأليف الكاتبة، انطلقت فيه بقولها: "لاشكّ أنّني لن أتمكّن خلال سُطوري هذه من نقل كلّ ما لامستُه أو شاهدتُه أو عايشتُه أو تعلّمته" ( ص: 7).
و رغم هذا الاعتراف بعدم قدرة عمل أدبي على احتواء كل تفاصيل رحلة الكاتبة، وجدتني أكثر لهفة للإقبال على مطالعة أحداث الرواية، خصوصًا بعد الاستدراك الذي جاء في تقديم الكاتبة، و قالت فيه: "...أتت الرويّة من التأمّل و المقارنة بين تلك الصّورة الّتي حملْتها معي عن القضيّة و أهلها، و بين ما لامسته من حقائق على أرض الواقع، واقع لا شكّ أنّه ينسجم مع كلّ ما يمكن أن يشكّله أيّ مجتمع في تفاعل مع بيّته...) ( ص: 7) ثمّ تواصل الكاتبة تقديمها للرواية بقولها: "...و قد استطاعت هذه الرّحلة أن تكون مرآة عاكسة لواقع شطري الوطن المبتوريْن عن جذعهما و لكلّ ما فرضته آلة البتر من تقارب وتنافر و تشابه واختلاف." ( ص: 8) و أمام هذا التصريح، وجدتني أتساءل، هل نجحت الكاتبة حقّا في تحقيق هذه الأماني في الكتابة، أم إنّ كلامها كان يصبّ في باب نوايا الكتابة؟ بعد هذا التقديم الذي خطّته الكاتبة في صفحة و نصف، نجد أنفسنا أمام مقدّمة للدكتورة جليلة الطريطر جاء فيه خاصّة: " ...و لئن وسم بكونه نصّا ليوميّات كاتبته و شهاداتها، فقد نأى في واقع الأمر درجات عن هذا الوسم الأجناسيّ لأنّه ورد في صورته المنشورة مرتّبا في شكل فصول ترسم لفترة محدودة تطوّر الشّخصيّة في استكشاف أحوال المكان و الإنسان في محيطها الجديد. " ( ص: 9).
بعد هذا الرّأي النقدي للدكتورة جليلة الطريطر، شعرت أن موضوع السيرة الذاتية قد اقتلع نهائيًا من ذهني و ما عليّ إلّا متابعة أحداث الرواية بانتباه شديد، علّني أحصل من خلال هذا العمل على زاوية نظر مختلفة للقضية الفلسطينية بصفة عامّة، بحثًا عن بعض ملامح المواطن في مجتمعه، بعيدًا عن الشُّعْبوية، الّتي دأبت على تقديم كلّ الفلسطينيين كفدائيين، و كأنّ الجانب الإنساني غُيّب أو اقتُلع منهم. فهل ستنجح هذه الرواية في التعرّف على بعض تفاصيل الحياة للمواطن الفلسطيني في جانبه الإنساني تحديدًا بعيدًا عن الشّعارات الرنّانة، والّتي أرى أنها أغرقتنا في الغوغائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.