في دولة الهواة تسيّر الأمور بالأمزجة وتساس شؤون البلاد والعباد بالتشنجات والانفعالات وتتقدم الاعتبارات الشخصية وحسابات الربح والخسارة للأشخاص على المصلحة العليا للبلاد. ونكبة بلادنا أنها تسيّر منذ 10 سنوات بالأمزجة وبالأهواء. وقد أمكن حتى وقت قريب تدوير الزوايا وإيجاد هوامش مكّنت مؤسسات الدولة من هوامش تحرك ومناورة كانت تتسع أحيانا وتضيق أحيانا أخرى بحكم تبدل التحالفات... لكن ، منذ قدوم حكومة المشيشي وما شهدته من تحوّل جذري حين ولدت في حاضنة الرئيس سعيّد وتحوّلت بسرعة قصوى إلى حضانة رئيس حركة النهضة وحليفيه فإن الأمور دخلت منعرجا جديدا ، منعرجا يؤدي إلى طريق مسدودة... وهو مأزق مضاعف بحرب خنادق باتت معلنة بعد ان دخلت على الخط الأمزجة والحسابات الشخصية والرغبة في الانتقام وردّ الصاع صاعين للمنافسين. وبالمحصلة كان التحوير الوزاري الأخير مجرّد صاعق لاشتعال حرب مواقع لا هوادة فيها... ولاندفاع صراع ارادات لا يعترف بغير كسر عظام المنافس ولو أدى الأمر قبل ذلك إلى كسر عظام الدولة ومؤسسات الدولة وإلى كسر عظام شعب بأسره يكتوي منذ 10 سنوات بنيران صراعات لا تنتهي... ويصطلي بجحيم أسعار لا تعرف غير ممارسة القفز العالي والعبث بقدرته الشرائية... شعب يئن جزء هام منه تحت وطأة البطالة والفقر والجوع والتهميش في حين يتلهى حكامه بصراعاتهم العبثية التي لا تنتهي والتي زاد في تأجيجها الصراع بين الرئاسات الثلاث... وهو صراع عطّل كل شيء وبات يهدّد مؤسسات الدولة بالانهيار ومصالح الشعب بالضياع. فماذا يعني أن يتخندق الرؤساء الثلاثة في مواقعهم ويتمادوا في صراعهم المفتوح غير عابئين بمصالح البلاد وبمصالح الشعب ؟ وماذا يعني أن يتخلوا ثلاثتهم عن لغة العقل والحكمة وينساقوا وراء حرب أمزجة لن تجنى من ورائها البلاد غير الدمار والخراب ؟ وماذا يعني أن يغلب كل طرف فيهم مصالحه الشخصية أو الحزبية ويعليها على المصلحة الوطنية وعلى ضرورات الانخراط في العمل وتفعيل دور المؤسسات لخدمة الصالح العام ؟ إن دولة الهواة التي يتمسك بها الممسكون بمقاليد الرئاسات الثلاث لن تفضي إلا إلى مزيد من الدمار من خلال تدمير بقايا الثقة التي بدونها لن يصلح أي شيء ولن يستقيم أي بناء... والمفترض أن يدرك المتصارعون في دولة الهواة أن مصلحة البلاد ومصلحة الشعب فوق خلافاتهم وفوق صراعاتهم وفوق عبثهم... والمفترض أن يدركوا بأن تونس ستكون أفضل بدونهم وبدون صراعاتهم العبثية ومعاركهم الجانبية... وأنهم الآن وليس غدا أمام أحد خيارين: إما التوافق على مخارج للأزمة من خلال تقديم تنازلات متبادلة والقبول بتدوير الزوايا وإما فليرحلوا... وستكون تونس أجمل وأكثر اسقرارا وازدهارا بدون هذه الحروب العبثية التي توشك أن تعصف بدولة الهواة. عبد الحميد الرياحي