معهد باستور: تسجيل حالة وفاة و4 اصابات بداء الكلب منذ بداية 2024    المدير العام للديوانة في زيارة تفقد لتطاوين    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    إجراء أول اختبار لدواء يتصدى لعدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية:ظلامية فوضوية دموية
نشر في باب نات يوم 01 - 02 - 2014


رضا بالحاج
بسم الله الرحمن الرّحيم
حيّرتني عجرفة إعلاميين و مثقّفين واستسهالهم الباطل و الظلم والقتل البطيء بالتعذيب و الاغتصاب الغاشم بالتشفّي في المشهد المصري الانقلابي ومن قبله في الشام التائب الثائر ضدّ دكتاتورية طمست أمر الله وبطرت نعمه وأحلّت أهلها دار دمار، عجرفة تزداد وقاحة بشاهد صفحات وجوه مكفهرّة وألسنة متلعثمة، يهرعون يوما بعد يوم إلى ظلام فأظلم و إلى إحساس غادره الصدق إلى الأحطّ فالأحطّ، إلى توحّش آدمي بربطة عنق و رشّة عطر..فصار المستكبرون الذين لا يَكبرون حالة لا تحتاج إلى شهادة ولا دليل، فالنفاق يجعل صاحبه شاهدا ومشهودا.. فاضحا ومفضوحا..ذاتا وموضوعا..والصورة والمشهد كافية للإدانة والقبض على الجاني بالجرم المشهود...ولكنّي كتبت هذه المقالة موثّقا لغافل مغفَّل أو عابر حضارة متسكّعٍ.. موثّقا لمتاهة نفسية علمانية ودهاليز مفاهيم الأعماق ينقطع فيها النور والهواء، يخسر أصحابها بلا معركة لأنّ معركتهم هي مع الذات وينهزمون بلا مواجهة فمواجهتهم حديد وضديد للفطرة..فدهاليز أنفسهم مغناطيس جذب وانعراج بين نفق ونفق و بين منحدر ومنحدر وبين جريمة وأكبر..والذي زادني إصرارا وربّما اتقانا في هذه المقالة أنّي عاشرت وكابدت إلى حدّ المعاناة في تونس لفيفا من أدعياء الثقافة وعنادُهم شفّاف عن تلكم العقد من فوقها عقد وعن خبيء غيظ بغِيض واعتصار ضغينة .. هم من جنس هذه العجرفة العلمانية التي كلّما ازدادت صياحا وصخَبًا كشفتها فلتات اللّسان ولحن القول وتشرذم المنهج إلى شظايا حاقدة أوّل حرائقها أمّة وحضارة ودين أي ما به كنّا وما به نكون.
أكتب هذا المقال ردّا على مقالات و مواقف و برامج جعل أصحابها كلّ حرف أو ذبذبة فيها مخطوطا هندسيّا لاجتياح وعدوان.. متوكّلا على الله مذكّرا نفسي ومن تورّط بالعلمانية على أنقاض دينه أي الإسلام الحق بيوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
بعد عجز النظم العلمانية عن تولّي شؤون الناس ورعايتها بجدارة إذ وصلت بالبلاد والعباد إلى انسداد في الأفق واسْتَدعت واستقدمت جهنّم في الدنيا في انتظار سعير الآخرة و تمهيدا لها. وبعد أن تأكّد رغم الضخّ والنفخ والدفع وكلّ أنواع الإسعاف أنّ إنجازها بل مصيرها هو الفشل الذريع والعيش الضنك ما يؤكّد أنّ نتاج هذه العلمانية في بلاد الإسلام هو صفر حضاري محاط بأسلاك شائكة وبعد أن انبلجت من خيباتها وجرائمها دورة تاريخية جديدة تفصلها نهائيا عن حراك الأمّة وسياقها وتعزلها في غربة مطوّقة..هاهي قد ارتدّت على نفسها تكاد تميّز من الغيظ واستحوذت على أصحابها هيستيريا مرعبة فجدّدوا عداوتهم الصارخة للإسلام بما هو منهج حياة وبما هو مبدأ فكرةً وطريقةً و كشفوا عن مكر كبّار تكاد تزول منه الجبال ولكنّه هذه المرّة رغم نفثه ونفخه مكشوف مفضوح متوتّر لاهث مرتبك عصبيّ تتبدّى منه أحقاد سوداء مرعبة ولكن طاقة هذا المكر سريعة النفاذ عسيرة الاستئناف لأنّها بلا أفق وبلا مدد.
انظروا إلى أمثلهم طريقة أصحاب الأقلام والمنابر و المصادح.. إلى هؤلاء الغرباء..غرباء الزمان والمكان كم تدهور خطابهم وتهافت فلا تكاد تجاور فكرة أختها إلاّ نقيضًا وضديدا ولاعنا وملعونا وناسخا ومنسوخًا..وكم هانت عندهم الكرامة لتصبح أضيق من حذاء السّيسي و أبشع من باب حديديّ صدئ مغلّقة أرتاجه على سجن مظلم بارد...صاروا نظائر لشبيحة وبلطجيّة وميليشيا مُتحفّزين إلى رشق بالحجارة و ضرب بالعصيّ وقنص لكلّ حيّ لولا بعض أناقة تقتضيها "الثقافة" و "التثقّف" ولكن على كلّ حال لهم في الشارع من ينوبهم وفي الزنزانات من يمثّلهم و يشفي صُدورهم ويوافق أهواءهم.
لاحظوا، لم تعد لهم من قضايا فكرية وسياسية ممنهجة يدافعون عنها ولو بشبهة نُبْل ومظنّة صدق إلاّ شتاتا وفتاتا لأفكار تلتقط نَفَسًا كي لا تموت وأتحدّاهم أن يأتوا بكتاب واحد أو نظرية قائمة على فكر بالأصالة والإنشاء لا بالتبعية والنسخ والصّدى..هذا عن قضاياهم،هم، التي ادّعوا لها ذات يوم تنظيرًا و تأسيسًا وتأصيلاً وتبنّياً وتعميما على سائر الحياة وشمولا لإنسانية الإنسان وتحدّوا بها كلّ العقائد والنظريات والأديان فما بالك بعجزهم عن تولّي قضايا الأمّة المصيرية التي لنا فيها حياة وكينونة أمّة وكينونة دولة توسّع الإنسان ليُساوي الكون ويشمله في مقابل فكر يضيّق الكون ليُساوي إنسانًا تتقاذفه الأهواء مكبّا على وجهه مستغرقًا في شهواته..حربه حروب وسلمه حرب.
حين سقطت قضاياهم بدرجتيْ الحقّ و الصّدق مع النفس والعقل صاروا بلا مستقرّ فكري فضلا عن عقدي يستدعون مجدّدا كلّ مقومات الدكتاتورية لتكتمل القبضة الحديدية (ما أريكم إلاّ ما أرى)وَهُم يظنّون أنّهم بمزيد قمعهم وسدّهم كلّ ممكن وتطاولهم الفكري وبِكبْرٍ في أنفسهم ما هم ببالغيه.. يظنّون أنّهم يقبضون التاريخ حتّى يَنْحَبِسَ عن مساره الربّاني الطبيعي: أي انتصار الأمّة الحتمي وفي الحقيقة والأصل هُمْ عَبَثٌ تعَسُّفي كعبث القابض على الماء خانته فروج الأصابع وهذه سقطة إضافية تبيّن انعدام الوعي عندهم بسنن التاريخ وكيف أنّه كالطبيعة حاكم ولكنّه بربّه محكوم وواجب بالخلق وممكن بالتسخير يسيرون فيه بالقدر وُيسيّرهم بالقضاء وهكذا ينْهشهم وهْمُ حتمية التاريخ.
طوّعوا لدكتاتوريتهم القاهرة كلّ شيء من تجسّس على ملفوظ القول إلى خلجة الصّدر وذبذبات النوايا لو استطاعوا ومن كبسة الزرّ إلى كلبشة اليد ومن تكنولوجيا الصّورة إلى تكنولوجيا القصف والقتل حتّى الدّين اتخذوه آلة و أرادوه مطرقة حديد اصطنعوه دينا وضعيّا يشتهيه الحداثي كشهوة الغلال أو الحلوى أو الكأس والنّخب...نعم هكذا تماما فالمفكّرون المتجمّلون بالحداثة و المعاصرة، النّسخ الأوروبية الرديئة اضطرّوا إلى تقمّص ثوب الدّجل الديني وهم الساخرون في قرارة أنفسهم من رجعيّة الدّين وأحكامه.. فعلوا ذلك للسّطو على طاقة الإسلام وهي بالضرورة و الطبيعة و الفطرة ضديدة لهم.. فكان منهم مسخ تفسير وشوه تأويل و تعسّف في القراءة و التحليل.. فعلوا ذلك ليبرّروا اقتحام المساجد و غلقها بل حرق بعضها في مصر و سواها بزعم تنزيه الدّين وصونه عن التوظيف وسوء الاستعمال.. ودَعَوا إلى عزل آلاف الأئمة ومنع أضعافهم من المدرّسين في انتظار تأهيلهم تأهيلا حداثيّا يكون الدّين فيه تابعا لا متبوعًا..وموزونا لا وازنًا. وفي حركة انقلابية خاطفة ينوبون الشعب ومصالحه والدّين وأتباعه والحضارة وموروثها وإن خذلهم العدد العديد والشعبية والجماهير فلا بأس فرمزية الحداثة والوجاهة الثقافية تكفيهم وتعفيهم وتبرّر استبدادهم وتعطيهم الوصاية. وبعد أن ينقلبوا ويُسيلوا أنهارًا من الدّماء ويمارسوا العسْف والقصف وينتهكوا كلّ بداهة و فطرة ويغلّقوا كلّ الأفواه صادعة أو جائعة يقولون لهذه الشعوب المستضعفة "الأمّية" الجاهلة بحداثتهم ماذا تريدون؟ سنصنع لكم التاريخ فورًا ومصير الأمّة عاجلاً وبِيُسْرٍ لتَنصرفوا لأعمالكم وطاعاتكم. ماذا تريدون؟ دستورًا ؟ الأمر هيّن نصنعه لكم وعلى عجل بأهل حلّ وعقد جمعوا بين اللياقة والسماحة والكفاءة... تريدون قانونًا؟ نفصّله لكم ونُسْكنهُ كلّ مسكن من أموالكم وأعراضكم وسائر شؤونكم بخبرة خبير وقدرة قدير ! تريدون حكّامًا ونوّابًا؟ الأمر عاجل وسهل بشرط أن تختاروا ممّن نختار نحن و بعد أن نختار ونضع العهود والمواثيق والترتيبات وخرائط العبور والمرور، فنحن بالديمقراطية نَهديكم سبيل الرشاد. وأخيرا..تريدون دينًا؟ تريّثوا فالأمر يحتاج إلى تأهيل وتكييف وإعادة نظر فكما تنزّل الدّين بالأمس وَحْيًا من السّماء فقال الإنسان لربّه (سمعنا وأطعنا) نحن الذين نقرّر اليوم مصير السّماء ومن كان فيها فبعد أن نعدّل الدّين ونقرّ منه ما نقرّ ونقول له (حلّلنا وناقشنا) نُصعّده للسّماء حتّى يحكم الإنسان الأعلى على ربّه الأدنى ويرضى على كتابه كل هذا إقرار منهم وتعميم لفلسفة (نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدّهر)..
صدّقوني هذا لسان حالهم ووجدانهم مع الإسلام الخصيم لهم: عبث منهجيّ كمن يعلّق الأشجار و الجبال في السّماء وينثر القمر والنجوم في الطرقات وتحت الأقدام..فاكشفوا منهم هذه الضّمنيات وابسطوا من وجدانهم وفكرهم كلّ المقبوضات وكلّ العقد المظلمات..وكلّ حقد وإن انتحل أسماء أخرى وصفات.
يريدون تأطير النّاس على قالب قاهر واحد يدّعونه دينًا ليس لنقده متّسع فكر ولا صدر و لا نظر عندهم.. بغصْب ستاليني وطرق حديديّ وحتمية تاريخية وجبريّة سياسية: دينًا وضعيّا بلا وحي ولا أنبياء دينًا منهزمًا يقبل هزيمته وتشويهه في صمت مطبق لا يشكو ولا يتوجّع ولا يشاقق ولا ينازع وكذلك يَفعَل أصحابه وإلاّ فهو التطَرّف والإرهاب والظلامية...هم حكّام بلا محكمة.. أقلامهم وألسنتهم ونفث صدورهم يكفي محكمة وحكمًا نافذا ناجزًا بلا تعقيب يصنعون أمرًا واقعًا قاهرًا لا يَرْضاهُ أي مشّاءٍ محترم مجرّد مداس وحذاء.. أمرهم كالطّين حين يفقد نفخ الرّوح وكبرياء السّماء.
أدعوكم إلى تدبّر الوضع في مصر بمطرقته وسندانه بما فيه من فظاعات تستصرخ الأحياء والأشياء فتتشقّق من الرحمة والشفقة لتدركوا سبق الإصرار عندهم والإضمار ووحشيتهم عند تجديد المبرّرات بالإبادة وقرارهم تلو القرار من أدعياء فكر وثقافة ومالكي رصاص و سياط وسلاسل فوق المكاتب وفي صفحات كتابٍ ومشروع مقال مع دماء منثورة في رفوف مكتبات ما أعمى بصيرة وربّما بصرًا وأصمّ آذانًا وطمس قلبا فهانت عندهم الجرائم والخطايا فهي لازم فكري وضرورة منهجية واستحقاق تاريخيّ.. بل تلذّذوا بسفك دماءٍ وانتهاك أعراض ومزيد بطش يرعب من شدّة هوْله "الأعداء" وصارت الكرامة عندهم فيما يقولون وفيما يفعلون مسألة تقدير وحِساب ووزن وميزان قابلة للزيادة والنقصان.
قلنا غير مرّة إنّ خلاصة هذه الأزمنة النكدة أنّ علمانيتهم هي نظريّا وواقعيّا غصب وقهر واحتلال..وأوّل ما تحتل هذا الدّين العظيم فتعتقل اللّغة ودلالاتها والمنهج واقتضاءاته ثمّ تستوطن على أنقاض مساحته الآمنة وبناءاته العامرة باستعمار وعدوان مسلّح على كلّ دلالات العقيدة وانبثاقاتها واقتضاءاتها في كهنوت وضعيّ علمانيّ..
ولكم أن تتصوروا هيئتهم المسيخة حين يتمظهرون بالدّين وينتحلونه وأعني أكابر القوم لا الأتباع فإلاههم هو إله بني إسرائيل من بعد زيغ، عجل له خوارٌ بديلاً عن إله موسى: الله الواحد الأحد، ومسيحهم دجّالٌ جنّته نارٌ وناره جنّة ورسولهم المزعوم خاتما للأنبياء و السماحة هو مسيلمة الكذّاب فالإسلام بما هو عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام غير قابل للانفصال عن الحياة وقد فصلوه غصْبًا بل أزاحوه والأمّة غير قابلة للتفكّك والانهدام بما هي اجتماع على عقيدة مرضية فيها التزام ومنها رابطة قسّموها و شرذموها بالقسر والإكراه وحضارتنا بما هي قائمة على نبوّة من حيّ قيّوم غير قابلة للتبعيّة.. وها قد أذلّوها وعبّدوها لأسيادهم والأحكام الشرعية الصريحة بالواجب والفرض العيني والكفائي المحميّة بالدّليل الشرعي أخرسوها إلاّ من ورق وخطّ سبقهم نسخًا و توثيقًا في المصحف فلم يقدروا على تبديل الكلم عن مواضعه.وهاهي أعراف الناس الطيّبة بما هي نبت حسن وبما هي ضمان وأمان لجيل عن جيل قد مشّطوها وأصدروا فيها مذكّرات ملاحقات وأعدّوا لَها حلبة الصّراع بين والد وما وَلَد.
في كلمة قست قلوبهم وتكلّست عقولهم فعليها أقفالُها لأنّهم فقدوا التوازن وما به يكون الإنسان عبدًا لربّه راضيا مرضيّا فغالبوا الفطرة والطبيعة والواجب والفرض والحياة والموت.. صاروا حقيقة بلا قضيّة زائد بلا حياء فطري..
هُم ،وأعني الذين يبيّتون حقدا عقديّا وايدولوجيا، ليسوا من مقام هذه الأمّة ولا من شرفها هم تدهور نعتذر لله وللتاريخ عنه يتسربلون بأمارات الفضيحة والخديعة ويبيّتون إجراما بلا حدود حتّى الذين صدّعوا رؤوسنا بأنّهم تقدّميّون وأوهمونا بأنّهم أسبق من التاريخ هاهم يرتدّون مطأطئين ولا يحمرّ وجههم لا من الخجل ولا من المهانة،وإن كانت العيون دوما كاشفة فاضحة،مطأطئين بين يدَيْ دول خليجية صارت بقدرة حداثة ووهم تقدّمية تُسعفهم بلوازم الثورة المُضادّة بأموال مختطفة من أفواه الجوْعى وحليب الرضّع ومن حقوق الأمّة .. وهذه الدّول بالأمس القريب كانت عندهم المثل الأعلى والأدلّ في الدناءة والعمالة وانعدام الهمّة والذمّة.. ألم أقل إنّ الكرامة عندهم مسألة حسابية قابلة للتفاوض والصفقات؟
أوّل هزائم المرء أن يتناقض .. وقد تناقضوا فصاروا أمواتا مع فارق التوقيت وتأجيل التنفيذ ومن تمام تناقضهم أنّ الواحد منهم صار مُهتزّا مرتجّا يحسب كلّ صيحة عليه يطرد الفكر عنه حتّى لا يوقظه فيلوذ بالدغمائية والصّخب ويطرد الفطرة ولو في أدنى وخزها حتّى لا تلعنه وذلك بمزيد التورّط في الفساد والعفن..ولكن بوركت الوجوه ما أصدقها ! ولا سيّما العيون..بوركت من شاهد فهي لامعة بالنّفس غير قابلة للزّيف ولا للغلف والسّتر والكفْن..ونكاد نجزم أنّ العلامة الفارقة المميّزة الدّالة على نقلة الأمّة النوعية وعلى التضادّ الحادّ بين تيّار الخير المقبل بالإسلام و بين تيّار الشرّ المنتكس المدبر بالعلمانية، هي وجوه بعض الإعلاميين والمثقّفين وأشباههم المكفهرّة المرتعبة المسكونة بغروب يطوي غروبًا وغَبَرةٍ ترهقها قَتَرَة، فعلاً أدعوكم إلى قراءة تِلْكُم الوجوه صفحة عن صفحة فمنها وعنها فيض نفاق لا ينْحبس...تثبّتوا ولاسيّما تلْكُم العيون فهي باب النّفس الشارع (المنفتح)..نعم العيون !!ففيها فضيحة كذب ومذلّة وهوان.
خسئوا من زاعمي فكر وثقافة ورشد.. أرهقوا الأمّة من أمرها عسرًا واختلسوا منها عمرًا بل أعمارًا..مضيعة للزمان..مفسدة للمكان إذن مهلكة الحياة والإنسان. اختطفوا أجْيالاً فاعتصروها زيفا وقهرًا بزعم ألاّ صوت فوق صوت المعركة وهم في أوكارهم يتفكّهون وبزعم ألاّ صوت فوق صوت التنمية وهم على موائدهم يتنعّمون وبزعم ألاّ فكر قبل ولا بعد الحداثة والعلمانية وهم لَوْكُ مطبوعات ومحفوظات.
قتلوا أبناءنا مجازًا بمنعهم العقيدة وانبثاقاتها والفكر واستنارته والانتماء وحمايته وقتلوا أبناءنا حقيقة حرقًا وذبحًا وخسفًا ونَسْفًا لأنّ مجرّد حياة أبنائنا هو في تقديرهم مهلكة لهؤلاء الطّغاة ولو بعد حين تماما كفرعون يتحرّى المواليد ويُحصيهم عدًّا فقد يكون منهم من يحطّم عرشه فيقتلهم قبل ميلادهم وعند ميلادهم..يقتلونهم إبادة بالكيمياوي والبراميل المتفجّرة وبقطع الأعضاء التناسلية وإن لم يقدروا فموت بطيء بفساد و إفساد واستنزاف طاقة واستدراج لكأس خمر ولفائف مخدّرٍ فقد ينبثق عنهما فكر ونظام..والمهمّ المهمّ ألاّ استئناف الحياة بالإسلام وإن أهلك فسادهم من شبابنا عشرات الآلاف بين شريد وفقيد وشهيد.
سقط العلمانيون في أوّل موعد للامتحان عند أوّل سؤال لأنّ العلمانية فكر اغتصب الأمّة واستوطن فيها وجاء غادرًا مصحوبا بالدبّابة والتهديد بمثلها والمزيد مخالفا لطبيعة العمران فما هكذا تروّض الشعوب وتُساس وما هكذا تُنْحَتُ الأمم !وما هكذا تُبنى الدّول ! ولا هكذا تركّز الحضارة و تنتج؟ ! لا بالطبع ولا بالعقل ولا بالشرع.
وحين تمكّن هذا الفكر من البلاد و العباد أكّد دون مراجعة ولا توبة ولا تدارك رغم مرارة الخَيبات وهول الصدمات ورغم الرّادع والزاجر من أمر الله وحيا ومن أمر الله خلقًا ومن أمر الله فعلا وتاريخا أكّد أنّه مشروع دكتاتوري اجتثاثي لهذه الأمّة ولو اقتضى الأمر استعانتهم فكرا وسياسة ودبّابة بالأجنبيّ.
لاحظوا بعد الثورات القاصمة لظهر الديكتاتورية وبمجرّد سقوطها لم يطيقوا فراقها فهي الحاضنة والضامنة لهم وهي البيئة السياسية الملائمة لهذا الفكر المنبتّ.. لذلك و بسرعة جذب هائلة استدعوا الدكتاتورية مجدّدًا واستنجدوا بها لينتقلوا من العدوان الكامن إلى الفعلي ومن الضمنيّ إلى الصّريح طالبين بتنظير فكري وتأصيل منهجي أن تكون الدكتاتورية هذه المرّة أشرس وأغلظ أو قل هم يطلبون ديمقراطية بآليات دكتاتورية وبضماناتها وهكذا تتجلّى التناقضات نفّاثاتٍ في العُقد في مقالات وخُطب وكُتبٍ لا تستحي من (إقرأ باسم ربّك) والكتاب الّذي يحويها و الإله الذي أنزلها والنبيّ الذّي بلّغها.
ديمقراطيتهم كلّها استدراكات وإسلامهم كلّه منفيات ومدنيتهم كلّها معسكرات وحقوق الإنسان تسع أعشاره حالة طوارئ تمنع الفكر والجولان وهي ضرورة وإكراهات. أمّا حداثتهم فمع الفكر ومن أجل جنّته الموعودة يُقاد المتخلّفون باتجاهها مقرّنين بالسلاسل والأصفاد.
أمَا وقد تأكّد أنّ العلمانية في بلاد الإسلام هي بنُسختيْها الدكتاتورية والديمقراطية الجارية من تحتهما الدماءُ هي دمارٌ شامل لمجمل الأمّة وتفاصيلها واعتقال لممكنات تجديدها العهد وانبعاثها المجدّد.. فكيف تكون المُحاسبة لمثقّف دعيّ برتبة عسكري انكشاريّ؟كيف تكون المُحاسبة لمن يدّعي محاربة الأمّية بقتل الأميّ؟
كيف تكون المحاسبة لمن قدّم لنا بعد عقود مزْق أمّة وشتاتها وركام مجتمع وحطامه..ووهم دولة وسرابها..دون اعتذار ولا عزاء في منحدر حضاريّ يوشك بنا على الفناء واللاّانتماء: فهذه العراق دمار للبشر و الشجر والحجر، وهذه السّودان مزق وشظايا وهذا الخليج معدّل الجينات مختطف بلا عُمَرَ ولا خالد ولا مصعب ولا بلال..وهذه تونس الخضراء جنّة الأرض جعلوها جرداء واستبدلوا فيها الشّرْع و العقل بالأهواء..وهذه مصر المعطاء مساجينها مقدار شعب وخذلانها معادل خيانة وفقر شعبها مُسَاوي فضيحة، وهذا النفط هو من الله نعمة وسلاح استراتيجي وهو في يد هؤلاء الرّويبضات نقمة على الأمّة وسلاح بيد الأعداء و مبرّر إضافيّ لاستعمارنا، أمّا التكنولوجيا فالفرق بيننا وبين الغرب فيها كالفرق بين اللّيل والنّهار أو الحياة والموت..لم يصلوا بعدُ فيها إلى الحرف الأوّل والرّقم الأوّل. تقدير الغرب العسكري فينا أنّه قادر على استعمارنا دولة دولةً وبلدًا بلدًا ومدينة مدينة في يوم أو بعض يوم.. هكذا تركونا بلا مشمول نظر استراتيجي ولا مجال حيويّ..ريشة في مهبّ الأمم..ولا يُبَالون..فالكرامة عندهم مسألة فيها حساب و نظر.
من قتل نَفْسًا فكأنّما قتَل النّاس جميعًا..ومن قَتّل أمّة بتعذيب ونكاية ومرارة خيانة ومزيد ألم فكأنّما قتل حياة وإمكان حياة وتدارك حياة..وحياة في الأصلاب والترائب وزاد فأجهز على مسعف للحياة. كيف تكون محاسبة مُتنعّم بالقتل لأمّ تُرضع ابنها: إنّه قتل للرضاعة من حيث هي وبقتل طفل مصطفّ ينتظر خبزًا لن ينضج إنّه قتل للغذاء من حيث هو..بقتل أطفال خنقا بالغاز والكيمياوي إنّه قتل للهواء من حيث هو. والأهمّ الأهم، كيف نحاسب دعيّ فكر وثقافة وإعلام نزيه محروس بنبل ضمير وصَحْوه..يجعل هلاك الحرث والنّسل بسلاح الدمار الشامل وسلاح الخداع الأشمل مجرّد مزحة ونادرة وفرجة وعَرْضًا سينيمائيا أو وثائقيّا فيلذّذ القارئين والمشاهدين بلعق الدّماء وترشّفها وتلحين البكاء والعويل وتنغيم الرّثاء والنّديب ويزيد فيلسوفهم الأكبر فيصنّف ذلك كلّه عين الحكمة واقتضاء الواجب والتاريخ مع غيبة تامّة وعامّة ومقصودة لمقياس ربّ الكون والإنسان والحياة ربّ العالمين.. كيف نُحاسب دعيّ ثقافة يكاد بزعمه يستحوذ على الحقّ والصّدق ثمّ يجعل منّا بإقراره وتبريره وتحريضه مشاريع متسوّلين ومشرّدين ومعوّقين..ومعتوهين ومُشوّهين وحالمين مرعوبين بزوّار اللّيل يخلعون ويغتصبون ويختطفون.
إذن وجب على المخلصين استغلال هذا الترنّح النّفسي للعلمانية والعلمانيين والأنفاس الثقيلة المتقطّعة وهذا الانقطاع عن نور السماوات والأرض وهذا التدهور والتهالك الفكري، إذ لا أساس ولا منهج ولا غاية بل فكر مسكون كلّ مسكن بالتناقض أو قل هو فكر بقدر جفافه تنزف الدّماء.. إذن وجبت المواجهة على عين بصيرة وبفكر مستنير لإسقاط هذا الصنم نهائيّا لِنتفرّغ لبناء الفرد عقلية ونفسيّة ولمّ شتاته من بعد عُقد و فراغات ومتاهات وبناء المجتمع أفكارًا ومشاعر وأنظمة من بعد مزق جعل بأسنا بيننا شديد وبناء الدولة مفاهيم ومقاييس و قناعات من بعد انهدام وانعدام ولنتفرّغ لتحقيق أعلى درجات الإبداع الضامنة لأرقى ممكنات الانسجام لحضارة الإسلام وهي من انتظارات البشرية جمعاء.
سبيلكم..وسبيلنا في ذلك هو الطّرح الفكري القويّ الذي يقبل كلّ صراع وخصومة بجدارة القدرة والفوز والانتصار وضمانة المنهج والطّريقة سبيلنا أيضا هو كشف خارطة الخبل والوحل النّفسي التي امتصّت كما تمتصّ الثقوب السوداء قدرات أمّة والتي ابتلعتها في قاعٍ من بعده قاع إلى هاوية بلا قرار.
كونوا على يقين أنّ هذا الفكر العلماني في هذه اللّحظة الثورية الراهنة هو حالة فقدت التوازن و فقدت الوعي فيما يشبه الصّرع والسّكر حقيقة أو مجازًا فلا تتوانوا في الاختراق النفسي والمبادأة بالتشريح وسبر الأغوار ورسم الخطّ المستقيم عند الخطّ الأعوج والعمق في مقابل كلّ سطح والاستنارة عند كلّ غلق مع أنفاس طويلة وبُعد نظر وعهد مع الله أنّنا ننصُره فننتصر.
كان يمكن لهذه المقالة أن تكون ردًّا فكريّا مُفصّلاً مُبَوّبًا قائما على الحجاج والجدال بالتي هي أحسن فكرًا عن الكون والإنسان والحياة وما قبل الحياة الدنيا وما بعدها بمنهجية الفكر المستنير وبيان كون الحريّة ليست صعيد رعاية الشؤون وبناء المجتمع..وإنّما العلاقات ومقدار تحقيقها الإشباع وضمانها الحقوق..وكون الحكم الشرعي يُؤخذ من مصادره قرآنًا وسنّة وبطريقة استنباط تقوم على الترجيح وغلبة الظنّ وكون الليبرالية لم تدرك معنى المجتمع حتّى ترعاه ولا وظيفة الدولة حتّى تفرّق بين القوّة الضرورة والقهر الجريمة.. كان يمكن أن نناقشهم قبل الأفكار عن العقل ماهو؟ من كونه ليس انعكاسًا للمادّة على الدّماغ وليس هو العقلانية المزعومة حَكَمًا إذا تعلّق الأمر بمسألة اعتبارية تقديرية و لم يتعلّق بأمر محسوسٍ باعتبار أنّ العقل هو واقع وحواس ودماغ وما يناسب من معلومات سابقة..كان يمكن أن يكون مثل هذا الطرح..ولكن العلمانيين في بلادنا حالة رخوة مشّاءة بغيبة ونميمة حمّالة لمُعلبات مستوردة ترفض الفكر أصْلاً و تستميت على واقعية عفنة ألفتها فأصبحت لا تقدر على الفكاك منها..ومع ذلك هم يكنّون هذه النفايات والمستنقعات فكرا وتزداد وقاحتهم حين ينعتونه مستنيرا.
ومع ذلك سنناقش علمانيّا مفترض الجدّية أو متوقّع التوبة.. نناقشه بالفكر المستنير في المقالة القادمة .. فقد دعا النبيّ صلى الله عليه وسلّم لمن لم يُؤمنوا به أن يُخرج بالأقل من أصلابهم من يعبُد الله لا يشرك به
كما سنناقش بإذن الله الأغوار النّفسية لظلامية أخرى تتسمّى "بالإسلامية" وهي أكبر عطالة للأمّة تلبس الحق بالباطل وتستولي على الجنّة ومفاتيحها والنّار ومغاليقها فتزيد الأمّة وبالا وهي ضغثٌ على إبّالة استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير واشترت بآيات الله ثمنا قليلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.