يمرّ الوقت سريعا وتسبقنا الدول في البناء والتشييد واقتناص كل الفرص المتاحة أمامها للتطوير والازدهار والاستعداد لمرحلة ما بعد كورونا، بينما يتواصل في دولتنا منذ أكثر من عشر سنوات إلى حد هذه الأيام إهدار الوقت والسّبات وإضاعة الفرص ويتواصل انشغال السياسيين والفاعلين بمسائل أخرى أهم في رأيهم من تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. منذ 2011 وإلى حدّ هذه الأيام، اكتفى سياسيو المرحلة وحُكامها بخدمة اهدافهم ومصالحهم ضاربين عرض الحائط بكل قيم ومبادئ المسؤولية الوطنية والثقة التي منحهم إياها الشعب وغير عابئين بما يتحقق حولهم في بقية دول العالم من تطور وازدهار ورُقيّ. وقد أكدوا بذلك أنهم بعيدون كل البعد عن مستوى هذه المسؤولية الجسيمة وفاقدين القدرة على تسيير الشأن العام. يكفي إلقاء نظرة يومية على ما يتحقق منذ سنوات من إنجازات ومظاهر نمو مختلفة في عديد الدول العربية والافريقية والآسيوية، التي كانت إلى وقت غير بعيد أقل نموا وازدهارا من تونس، للتأكد من أن بلادنا أضاعت وقتا ثمينا في "الانتشاء" بالانتقال الديمقراطي على حساب التطوير الاقتصادي والاجتماعي وفي تدمير بعض المكتسبات القديمة. طيلة السنوات الماضية، لم يُشيّد على تراب الوطن مشروع عملاق واحد يمكن الافتخار به أمام الأمم، ولم يتحقق نجاح وطني باهر يشد أنظار العالم إلينا، واكتفت الطبقة السياسية الفاعلة ب"نشوة" الانتقال الديمقراطي دون بذل أدنى جهود لإرفاقها بانتقال اقتصادي وتنموي حقيقي يجعل من البلاد قوة صاعدة بالتزامن مع نجاح تجربتها الديمقراطية. ومنذ عشر سنوات لم يجد التونسيون غير الوعود الوهمية من الطبقة السياسية ومن كل من تداولوا على الحُكم. فلا المعيشة تحسّنت ولا الاقتصاد تطور ولا التنمية في الجهات المحرومة تحققت ولا الفقر والبطالة تقلصا ولا الخدمات العمومية ارتقت إلى مستوى الجودة المرجوة. ولم تجن البلاد والشعب غير كبوة اقتصادية وتنموية كبرى بلغت حد تدمير بعض المكتسبات السابقة. ورغم ما تزخر به البلاد من مُؤهلات في مختلف المجالات وثروات طبيعية وموقع استراتيجي وجغرافي متميز وكفاءات بشرية متنوعة وإدارة متماسكة، ورغم ما حصلت عليه البلاد طيلة السنوات المنقضية من مساعدات وهبات وتمويلات وقروض إلا أن ذلك لم ينعكس له أي أثر على ارض الواقع حيث ظل الحال على ما هو عليه بل وتفاقم نحو الأسوأ في شتى المجالات. وقد كان بالإمكان خلال السنوات التي تلت الثورة أن يتحقق ما لم يتحقق في عهدي بورقيبة وبن علي من انجازات ومكاسب بفضل مناخ الحرية والديمقراطية الذي أصبح سائدا لولا فشل السياسيين والفاعلين في المشهد العام الذين ساروا بالبلاد خارج مضمار سباق الدول وتاهوا وإياها وسط الفوضى والارتباك والضعف، بينما واصلت بقية الدول التقدم بثبات نحو التطور والازدهار. اليوم تلزمنا – حسابيا وعلميا - سنوات عديدة للالتحاق بركب الدول التي سبقتنا طيلة العشرية الماضية في تحقيق النمو والازدهار. لكن يبقى الاستثناء ممكنا لو يسارع الفاعلون السياسيون والمتحكمون في سلطة القرار بالعودة إلى الرّشد وإيقاف نزيف صراعاتهم العبثية وعراكهم المفضوح من أجل السلطة.. أما مواصلة العبث السياسي على طريقة الأيام الاخيرة فلن يؤدي سوى إلى اخراج البلاد تماما من السباق وتحويلها إلى دولة مفلسة وعاجزة وفاقدة السيادة.. فاضل الطياشي