انتشرت المخاوف مرة أخرى في تونس من موجة انتشار جديدة لفيروس كورونا في ظل تصاعد عدد الإصابات وعدد المقيمين بالمستشفيات وبالتزامن مع تفشي السلالة البريطانية من الفيروس. ومرة أخرى يكون التونسيون على موعد مع حالة من الارتباك والهواجس ليس فقط بسبب خطر الفيروس في حدّ ذاته لكن بسبب تواصل ضعف أداء الدولة في التعاطي مع الأزمة من الناحية الصحية لكن أيضا من الناحية الوقائية و الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. منذ أكثر من عام والتونسيون يعانون أزمة وبائية مضاعفة لم تقتصر فقط على الآلام الصحية عند المرض بل شملت المعاناة من ضعف وهشاشة المنظومة الصحية العمومية. فمستشفياتنا مازالت عاجزة عن إيواء المصابين بسبب قلة عدد أسرّة الاوكسيجين والانعاش والكفاءات الطبية وشبه الطبية، وتجهيزاتها مازالت متردية وتعاني نقائص عديدة. ولم تقدر الدولة طيلة العام الماضي على تدارك هذه النقائص استعدادا لكل الموجات الجديدة المحتملة. وعلى امتداد العام الماضي، لم تنجح الدولة في وضع استراتيجية واضحة وصارمة لفرض الإجراءات الوقائية بين المواطنين. فقد تعاطت مع هذا الجانب بضعف وهشاشة وبتراخ كبير ولم تفرض مثلا الارتداء الإجباري للكمامات والتباعد الجسدي في أماكن الاكتظاظ ولم تتدخل لتوفير مستلزمات الوقاية والتحاليل بأسعار معقولة ولِم لا مجانا لبعض الفئات والقطاعات ولم تعمل على تفعيل كل ما يقع اتخاذه من اجراءات بشكل صارم. وما زاد من المعاناة المضاعفة للتونسيين من الوباء هو عجز الدولة عن امتصاص المخلفات الاقتصادية والاجتماعية لبعض قرارات الغلق التي وقع اتخاذها. فالتعويضات المالية والمساعدات وغيرها من الإجراءات التي وقع الاعلان عنها أكثر من مرة لفائدة المتضررين لم تر النور وهو ما دفع بهؤلاء إلى «التمرّد» على الإجراءات ومواصلة أنشطتهم بشكل اعتيادي خاصة تلك التي تتسبب في تكوّن تجمعات وما يتبعها من اتساع رقعة العدوى. ولم تتوقف لامبالاة الدولة بخطر العدوى عند هذا الحدّ بل تأكدت أيضا من خلال سماحها بتنظيم المسيرات السياسية والوقفات الاحتجاجية التي يتجمع فيها الآلاف، خاصة خلال الشهرين الماضين، وهو ما ساهم في ارتفاع أعداد المصابين. كما لم تنجح في فرض إجراءات صارمة بالنسبة للوافدين من خارج أرض الوطن وهو ما تسبب للمرة الثالثة في ارتفاع نسق موجات الإصابات، كانت الاولى في مارس الماضي والثانية خلال العطلة الصيفية والثالثة في الأسابيع الأخيرة. اليوم تجد الدولة نفسها، ومن ورائها الشعب، في مواجهة موجة جديدة من الوباء يبدو أنها ستكون أشد خطرا بالنظر الى سرعة انتشار العدوى بالسلالة الجديدة. وسيكون ذلك بالتزامن مع شهر رمضان ومع حتمية مواصلة العام الدراسي وأيضا في ظل وضع اجتماعي واقتصادي صعب يعانيه التونسيون نتيجة غلاء الأسعار وانتشار الفقر والبطالة،وهو ما يفرض على الدولة الأخذ بعين الاعتبار لكل هذه الجوانب. أما مواصلة التعاطي مع الازمة بالأداء نفسه فإنه لن يؤدي سوى إلى كارثة صحية تبدو على الأبواب.. فاضل الطياشي