بعد تأجيل استئناف الدّروس إلى 16 ماي القادم، أصبح من شبه المؤكد أن العام الدراسي الجاري لن يختلف كثيرا عن العام السابق من حيث ضعف التحصيل التعليمي لدى التلاميذ. وكل ذلك نتيجة طول مدة تعليق الدروس والتخلي عن جزء كبير منها دون أن يقع تدارك النقص عبر دروس تدارك أو التعليم عن بعد، وأيضا نتيجة الغيابات المتعددة للتلاميذ والمدرسين خوفا من عدوى كورونا، في ظل عدم توفر إجراءات الوقاية والسلامة بالمؤسسات التربوية.. فراغ تعليمي رهيب سيُلازم ملايين التلاميذ من مختلف المستويات خلال الأعوام القادمة ولن يسمح لهم بمواصلة بقية مشوارهم الدراسي بالحد الأدنى المطلوب من المكتسبات التعليمية ولا بتحقيق التميز في الامتحانات الوطنية أو المناظرات الدولية أو عند الدراسة الجامعية في تونس أو في الخارج. وكل ذلك نتيجة ضعف ما حصلوه من معارف خلال العامين الدراسيين الماضي والحالي بعد التخلي عن عديد الدروس واستبعاد بعض المواد من الامتحانات وعدم تنظيم دروس تدارك .. بعد سنوات ستظهر ارتدادات ما حصل للتلاميذ خلال العام الدراسي السابق والعام الحالي من ارباك وتهميش وما لحق المدرسة العمومية طوال السنوات العشرة الأخيرة من تدمير ممنهج. وستكون لذلك انعكاسات مؤلمة خاصة على المستوى التعليمي والعلمي الحقيقي لكفاءات المستقبل التي ستأخذ مشعل قيادة الشأن العام عن الكفاءات الحالية بالإدارة وبالتعليم وبالمؤسسات العمومية والخاصة.. وهو مؤشر خطير بالنظر لما يمكن أن يؤدي له ذلك من انهيار لعديد المكتسبات التي حققتها تونس منذ الاستقلال بفضل ثروتها البشرية. كان بإمكان الحكومة ووزارة التربية بذل جهودا أكثر لإنقاذ السنة الدراسية الحالية من "الضياع" بعد أن ضاع نصف السنة الدراسية السابقة.. غير أنهما فشلتا منذ انطلاق الموجة الثانية من الوباء في سبتمبر الماضي في فرض بروتوكول صحي صارم ومتشدد داخل المدارس يحمي التلاميذ والمربين من خطر العدوى ويسمح بتأمين الدروس بشكل عادي دون حاجة لنظام الفرق أو المس من البرامج عبر إلغاء بعض الدروس ودون أن يضطر التلاميذ والمربون للتغيب عشوائيا بسبب الخوف من عدوى الفيروس. لقد تعاطت الحكومة الحالية ووزارة التربية مع الدراسة زمن كورونا بشيء من التساهل والتراخي والارتباك أيضا. فقد كان بالإمكان رصد ميزانية استثنائية من أجل توفير الظروف الملائمة للتدريس في ظروف آمنة على غرار مجانية مواد الوقاية والتعقيم للتلاميذ والمربين والتنظيف والتعقيم المستمر لقاعات الدروس. وكان بإمكان الحكومة ووزارة التربية بذل أكثر جهود لإرساء التعليم عن بعد حتى يقع تجنب إلغاء بعض الدروس تماما من البرامج ويساعد على الإبقاء على التحصيل التعليمي للتلميذ في مستواه المعهود. اليوم تبدو كل فرضيات تطور الوضع الوبائي ممكنة، إما التحسن التدريجي أو التفاقم نحو الأسوأ. وفي كل الأحوال، على وزارة التربية ومن ورائها الحكومة تحمل كامل المسؤولية في إنقاذ العام الدراسي وخاصة انقاذ أبنائنا التلاميذ من خطر ضعف التحصيل التعليمي والذي سيؤثر سلبا عليهم في المستقبل. ويكون ذلك بوضع خطة واضحة للتعليم عن بعد في ما بقي من السنة الدراسية في صورة تواصل الوضع الوبائي خطيرا، أو تنظيم دروس تدارك في الصيف في صورة تحسنه. فاضل الطياشي