ربما لا يدرك كثيرون ممن لم يدرسوا وضع الدعوة في مراحلها الأولى معنى فتح مكة ولا أهميته العسكرية والدينية. لكنّ المطّلعين على الأحداث الأولى للدعوة الإسلامية يدركون جليا المكانة السامية والدور الهام لذلك الفتح وبيان ذلك أن العرب في بداية أمر الدعوة كانوا ينظرون إلى مكة وقريش نظرة القيادة والريادة وكانوا يترقبون ما سيؤول إليه الحال بين قريش والمسلمين فإن انتصرت قريش بقوا على ما هم عليه من الشرك وعبادة للأوثان وإن انتصر النبي صلّى اللّه عليه وسلم دخلوا في دين اللّه أفواجا فلما هزمت قريش وفتحت مكة جاءت الوفود إليه صلى اللّه عليه وسلّم معلنة إسلامها. لقد حدث هذا النصر العظيم وهذا الفتح المبين في العشرين من شهر رمضان المبارك سنة ست من الهجرة النبوية. وتبدأ قصة هذا الفتح عندما تصالح النبي صلى اللّه عليه وسلم مع قريش في الحديبية على أن يضعوا السلاح ودخلت خزاعة في هذا العهد مع النبي صلى اللّه عليه وسلّم ودخل بنو بكر بن وائل مع قريش في عقدهم فلم يمض على الصلح سوى سنة وتسعة أشهر، حتى غدر بنو بكر بن وائل حلفاء قريش بخزاعة حلفاء النبي صلى اللّه عليه وسلم فاستنجدت خزاعة بالنبي صلى اللّه عليه وسلم فقرر غزو قريش لنقضهم العهد واعتدائهم على حلفائه من خزاعة فجهز جيشه وخرج قاصدا مكة لعشر مضت من رمضان في عشرة آلاف مقاتل من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب فدخل صلى اللّه عليه وسلم مكة فاتحا منتصرا وطاف بالبيت وصلى فيه وكسر الأصنام من حوله وأمن أهل مكة على أنفسهم وأموالهم إلا عددا يسيرا ممن بالغوا في عداوة النبي وشتم المسلمين. فكان هذا الفتح نعمة على أهل مكة، وعلى العرب عامة أما على أهل مكة فلأنه أزال سلطان الكفر عن رقابهم ولا سيما ضعفاء المؤمنين ممن لم يستطع الهجرة أما قبائل العرب فقد كان خوفهم من قريش حائلا دون إسلامهم فلما زالت سلطة قريش بفتح مكة، دخلت قبائل العرب في دين اللّه أفواجا فالحمد للّه على ما منّ به من هذا الفتح العظيم.