في ظل ما تعيشه ليبيا من فوضى سياسية وصراع على السلطة وضيق في الحالة المعيشية للمواطن على مر السنوات، أحدث عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، حالة من الجدل الواسع بشأن تصريحاته الأخيرة حول احتلال ليبيا المركز الثاني على مستوى العالم لتعدين عملة البيتكوين، وعلاقتها بأزمة الكهرباء التي أنهكت البلاد، وزادت حدتها مع بداية فصل الصيف. قال الدبيبة، في كلمة له، إن عملات البيتكوين يجري تعدينها في ليبيا، وهو ما يؤثر على قدرات الشبكة الكهربائية. ليلاقي ردود أفعال متباينة لمراقبين ومستثمرين في تلك العملة في ليبيا، فمنهم من أيده في استهلاك العملة للتيار الكهربائي، في المقابل حمل الغالبية حكومته مسؤولية الرقابة على جهات تعدين العملة الإلكترونية وعدم تحصيل رسوم استهلاك التيار الكهربائي. إلا أن تقرير كاميريج بتكوين إيليكتريستي كونسامبشن إيندكس المنشور في أغسطس 2021، أشار إلى أن ليبيا تعدن بيتكوين بنسبة 0.13%، متصدرة بذلك الدول العربية الأكثر تعديناً للعملة، في حين أن الصين حلت في المركز الأول بنسبة 65%، تلتها الولاياتالمتحدة، وكازاخستان، وروسيا، وكندا، وأيرلندا، ما يعني أن ليبيا ليست من الدول المتصدرة في العالم في صناعة العملة الافتراضية. وقد عزا المراقبون للشأن الليبي أزمة الكهرباء الى تقصير الدبيبة وحكومته في عملها، لا الى مسألة التعدين. حيث صدرت تقارير عديدة تتحدث عن مشكلة الكهرباء بأنها قديمة بسبب معاناة هذا القطاع من عدم صرف الأموال للصيانة وبناء المحطات أو إختلاس الأموال المقدمة من قبل شخصيات حكومية وسرقة أسلاك الكهرباء من قبل الجماعات المسلحة التي انقطع عنها التمويل فبدأت بالتوجه الى أعمال السرقة والنهب. إضافة الى الأزمة الناشئة حديثاً بين المصرف المركزي ومؤسسة النفط الوطنية عبر الأخذ والجذب بصرف العائدات، ناهيك عن فرض حالة القوة القاهرة التي فرضتها المؤسسة على أهم حقول الغاز والنفط التي تغذي محطات الكهرباء في البلاد، بسبب الصراع الذي بدأه الدبيبة مع مجلس النواب الليبي ورفضه تسليم السلطة لنظيره فتحي باشاغا. ليؤكد المراقبون بأن كل هذه المعمعة التي تعيشها البلاد والأزمات الناشئة وعلى رأسها أزمة الكهرباء، جاءت بسبب سياسات وإجراءات أتباع الولاياتالمتحدةالأمريكية في ليبيا، إبتداءاً بالدبيبة مروراً بمصطفى صنع الله رئيس مؤسسة النفط الوطنية وغيره من المارقين المتنفعين من السلطة، إنتهاءً بالصديق الكبير محافظ المصرف المركزي. وما تصريح الدبيبة الأخير إلا دليل على جهله وسوء إدارته، فهو يبرر فشل حكومته بأسباب غير منطقية، ولا يحاول حتى العمل من أجل إزالة هذه الأسباب. وبالتالي تبقى ليبيا وشعبها رهينة بيد هؤلاء المسؤولين الذين وضعتهم الأمريكية ستيفاني ويليامز في مؤتمر الحوار الوطني في جنيف، ليقوموا بإفشال إجراء الإنتخابات والتمسك بالسلطة على الرغم من إنتهاء مدة صلاحيتهم، وإدخال البلاد في أزمات سياسية وأمنية ومعيشية، آخرها أزمة الكهرباء التي أشعلت فتيل المظاهرات والإحتجاجات الشعبية في مختلف ربوع ليبيا. من جهة أخرى، يرى المراقبون في شخصية رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الأمثل والأكثر وعياً في العمل على إصلاح الأوضاع في البلاد وإنهاء حالة الفوضى والعبث التي يقوم بها عبد الحميد الدبيبة وأمثاله من السياسيين الموجودين والذين يخدمون مصالح الأطراف الخارجية وعلى رأسها أمريكا لا الشعب الليبي. فعقيلة على مر السنوات، يقف في وجه المخططات الأمريكية، ويتعرض للضغوط والإنتقادات، التي تستهدفه لإضعافه والنيل من عزيمته، وما إحراق بعض العناصر المندسة والممولة من الغرب في المظاهرات لمقر مجلس النواب في طبرق، أثناء إندلاع الإحتجاجات، وسرقة ملفات من ديوان المجلس، إلا محاولة جديدة من قبل واشنطن، بنظر المراقبين، لإرهاب صالح ونواب المجلس ولإحداث الشرخ والفتنة بين أبناء الشعب الليبي. والدبيبة بدوره يبقى يصدح ويردد الشعارات الفارغة، ويبيع الليبيين كلاماً في الهواء، ويُلقي باللوم إثر فشله في حل الأزمات على البيتكوين، وربما سيُلقيه فيما بعد على ثقب الأوزون، أو ظاهرة التصحر، ليظهر على أنه ذاك المثقف المجتهد، الذي يعمل لأجل شعبه.