تخوض كل من روسيا والغرب حرب استنزاف اقتصادية وقعها شديد على الطرفين بسبب الحرب في اوكرانيا، حيث يمنّي النفس كل طرف منهما في الإجهاز على الآخر لإجباره على الاستسلام. وبينما أشهر الغرب سلاح العقوبات التاريخية التي وصلت الى الحزمة السابعة، وشملت النفط والغاز والتجارة ونظام المصارف وغيرها من العقوبات الاقتصادية التي كان لها وقعها على الاقتصاد الروسي. اختارت موسكو نفس السلاح لتخنق به الدول الغربية والحديث هنا خاصة عن الغاز الذي يمثّل رئة الاقتصاديات الاوروبية التي تقف عاجزة الآن عن تعويضه وبالتالي الفكاك من الطوق الروسي. تبدو الحرب مكلفة جدا بالنسبة للطرفين، لكن وقعها أشد على العالم الغربي الذي أصبح يعاني من ارتفاع أسعار الطاقة والتضخّم وأسعار الفائدة التي كان رئيس الوزراء الايطالي ماريو دراغي أول ضحاياها. أكثر من ذلك شقّت الحرب الاوكرانية صفوف الدول الغربية التي استجاب بعضها لتطبيق العقوبات على روسيا بينما اعتمدتها أخرى كحبر على الورق لأنها لا تقدر على تطبيقها وفي تطبيقها هلاك مؤكد. وفيما يعوّل الغرب على استنزاف موسكو سريعا وبالتالي اجبارها على الاستسلام في اوكرانيا، يتّبع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسة النفس الطويل ويقوم بالالتفاف على العقوبات الغربية لا بل ويفتح شراكات جديدة مع دول حليفة للمعسكر الغربي. بالإضافة الى ذلك ينصب بوتين الى نظرائه الغربيين "فخ الشتاء" أين يتضاعف استعمال الغاز في الدول الأوروبية حتى يجبرهم على رفع العقوبات أولا ثم الاستجابة لشروطه في أوكرانيا ثانيا. وقد بدأت موسكو فعلا في تنفيذ هذه الخطة عبر تقليل تدفّق الغاز الروسي الى الاوربيين بدعوى الصيانة لحرمانهم من تخزينه لفصل الشتاء وهو ما أثار هلع الزعماء الغربيين الذين تفرّقوا يمنة ويسرة للبحث عن بدائل. الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في من سيربح هذه الحرب الاقتصادية الضارية، التي سيكون الفائز فيها هو من يقدر على تحمل التكاليف الباهظة لها، حيث يدفع الطرفان بعضهما البعض الآن الى رفع شارة الاستسلام. ما يرجّح كفّة موسكو الآن هو استعدادها الجيّد لتداعيات الحرب الأوكرانية خاصة على مستوى العقوبات حيث بان بالكاشف أنها أعدت نفسها لحرب طويلة الأمد ولصراع مفتوح على جميع السيناريوهات مع الغرب. لكن رغم ذلك تبقى حرب أوكرانيا لعبة خطرة الجميع فيها مهدّد بالسقوط في الهاوية، في ظلّ رغبة جميع الأطراف في سياسة الانتصار دون سواه وليس الرغبة في إيجاد حل وسط يرضي الجميع. فبينما يصرّ الغرب على ضرورة هزيمة بوتين هزيمة نكراء وبالتالي إذلال روسيا ووضع حد لطموحاتها في العودة بقوة الى المسرح الدولي كلاعب رئيسي يلعب دور الندّ للندّ مع الدول الغربية. يصرّ بوتين هو الآخر على توجيه ضربة قاضية لنظام القطب الواحد والذهاب نحو عالم متعدّد الأقطاب مستندا في ذلك على التنين الصيني الذي يبادله نفس الأهداف ويطمح هو الآخر لاسقاط أمريكا من على عرش العالم. بدرالدّين السّيّاري