لا يوجد اختلاف اليوم في تونس بأن بعض التصريحات التي يلقيها عدد من المسؤولين الأمريكيين والغربيين حول التطورات في بلادنا خاصة في مسالة الاستفتاء الشعبي ، تعتبر تدخلا سافرا في دولة مستقلة ذات سيادة قدمت آلاف الشهداء لدحر الاستعمار ونيل الاستقلال . فبلادنا المعروفة بسياستها الخارجية المتوازنة والمعتدلة لم تقم على مر التاريخ بالتدخل في شؤون أي دولة اخرى ، بل ظلت مواقفها ثابتة و متوازنة وبناءة ومتمسكة بما يمليه القانون والمواثيق الدولية المنظمة للعلاقات بين البلدان ، لكن عندما يقول السفير الأمريكي الجديد لدى تونس، جوي هود، أمام الكونغرس أنه سيستخدم جميع أدوات النفوذ الأمريكي للدعوة إلى العودة إلى الحكم الديمقراطي وتخفيف معاناة التونسيين ، فإن هذه التصريحات لا يمكن ان تمر مرور الكرام بل يجب التنبيه الى خطورتها وخرقها للقانون الدولي المحدد لمجالات العلاقات بين البلدان. فهذه التصريحات الامريكية مهما كان مغزاها هي اعتداء سافر على سيادة شعبنا الذي يمتلك حريته المطلقة في تقرير مصيره واختيار برامجه . ورغم ذلك لا يمكن الانكار ان الولاياتالمتحدةالأمريكية شريك قوي لتونس على مر التاريخ وقدمت الكثير من النصائح والدعم ،لكن يجب معرفة وتبيان حدود العلاقات بين البلدين وسبل التفريق بين العلاقات والاملاءات والتدخلات . فمن غير المقبول اليوم ان تعارض الولاياتالامريكية موقف الشعب التونسي الذي حدد اختياراته من خلال صناديق الاقتراع في ممارسة ديمقراطية لا تشوبها شائبة رغم الانتقادات السياسية الداخلية وهي انتقادات تدخل في إطار التنافس السياسي الداخلي الموجود في أي دولة ، بل ان هذا التنافس السياسي دليل اخر على ان بلادنا تحترم اللعبة الديمقراطية . وخير دليل على ان الموقف الامريكي جانب الصواب مما يحدث في بلادنا ، هو الغضب الشعبي الكبير الذي رافق التصريحات من خلال خروج مظاهرة أمام سفارة واشنطن في تونس ، اضافة الى صدور جملة من التصريحات و البيانات شديدة اللهجة من قبل عدة أحزاب ومنظمات وطنية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل الذي طالب " بموقف حازم وقوي وإذا لزم الأمر تعليق إعتماد السفير الأمريكي الجديد مع الدعوة إلى وضع حدّ لهذه الانتهاكات وتجسيد إرادة الشعب الحقيقية في رفض التعدّي على تونس بأيّ شكل من الأشكال". وفي العموم يجب التأكيد على ان تونس تعيش ضمن مجتمع دولي بات اشبه بقرية ، ومن واجبها الانتباه جيدا الى الرسائل الصادرة من مختلف الدول برحابة صدر ، لكن لا يجب ان تصم آذانها عن التدخلات والاستفزازات . بل هي مطالبة بموقف واضح وصارم حتى لا تتكرر الانتهاكات في المستقبل . كما يجب على بلادنا تنويع علاقاتها وشراكاتها مع مختلف القوى الدولية وأن تحرص على عدم الاصطفاف خلف أي محور كي لا تصبح مجرد دولة تابعة تتلقى الدروس والتعليمات بين الفينة والاخرى . وإذا تعمقنا في واقع دول المنطقة والعلاقات الدولية المتشابكة فإننا سنكتشف من الوهلة الأولى ان التدخلات الخارجية في بعض الدول العربية كانت كارثية فعلى سبيل المثال ما تعيشه ليبيا وسوريا والعراق اليوم هو نتيجة للتدخلات الاقليمية المبنية على تقديرات خاطئة وتسببت في تحويل تلك الدول إلى بلدان مضطربة . ناجح بن جدو