بعيدا عن كل الأضواء، وبعيدا عن صخب الجمعيات الحقوقية، وبعيدا عن أعين «الشرعية الدولية» التي لا ترى على ما يبدو إلا ما تراه الادارة الأمريكية، تتواصل عربدة الآلة الحربية الصهيونية ويتواصل كل يوم سقوط الشهداء والجرحى في اقتحامات لأحياء سكنية فلسطينية وفي مواجهات مع شباب غاضبين لم يبق لهم إلا حناجرهم والحجارة لاسماع أصواتهم وللذود عن كرامتهم.. وكأن أبناء الشعب الفلسطيني لم يكفهم عسف وتنكيل الحكومات الصهيونية السابقة حتى جاءت حكومة نتنياهو المطعمة بأتعس المتطرفين الصهاينة لتكشف عن وجه شديد القبح.. وجه لا يعترف بغير التقتيل والتنكيل ويركب الغطرسة واللامبالاة لتدنيس المقدسات الاسلامية في مسعى مكشوف يهدف إلى فرض قواعد جديدة للتوازن الهش حول المسجد الأقصى وصولا إلى تنفيذ مخطط تقسيمه كخطوة أولى نحو تهويده.. هذا المشهد الذي بات يتكرر يوميا على الأراضي الفلسطينية لم يعد يحرّك سواكن الدول العربية ولم يعد يستنفز «ضمائر» الحقوقيين والنشطاء والمنظمات والجمعيات الذين عوّدونا على ملء الدنيا ضجيجا حين يتعلق الأمر بتجاوزات لا ترقى بالتأكيد إلى ما يقترفه الصهاينة في حق أبناء الشعب الفلسطيني من فظاعات.. وما يرتكبونه من جرائم يرقى توصيفها إلى درجة كونها جرائم في حق الانسانية من حيث هي جرائم إبادة مع سبق الإضمار والترصد وينفذها الجنود الصهاينة بدم بارد وكأنهم في جولات صيد.. أما الأممالمتحدة ومجلس الأمن وهما القيّمان نظريا على حماية السلم والأمن الدوليين وكذلك على حماية الشعوب المستضعفة وإنفاذ قواعد ومقتضيات القانون الدولي، فإنها تنخرط في موجات من النوم العميق كلما كان الصهاينة هم المجرمون وكلما كان الفلسطينيون هم الضحايا.. ذلك أن كل الهيئات الأممية والتي يفترض أنها قيّمة على الشرعية الدولية لم تحرك ساكنا إزاء التصعيد الصهيوني الخطير في حق أبناء الشعب الفلسطيني..وحتى تكتمل دائرة الصمت المريب إزاء تكرر الجرائم الصهيونية فإن الدول العربية باتت هي الأخرى لا ترى ولا تسمع وكأنها أدارت ظهرها بالكامل لما كانت تسميه «قضية العرب الأولى».. وبالمحصلة غابت الاجتماعات الطارئة وغابت حتى بيانات الشجب والتنديد وكأن ما يرتكب من جرائم يجري على كوكب آخر ويستهدف شعبا لا تجمعنا به وشائج ولا مصير مشترك، ينضاف إلى طابور المتفرجين عرب التطبيع الذين هرولوا لإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني من باب «تشجيعه» كما يزعمون على السير في نهج السلام.. فإذا هم يعزلون الفلسطينيين شعبا وقضية ويتركونهم بلا غطاء في مواجهة عدو مدجج بكل أنواع الأسلحة. فإلى متى تستمر المجازر الصهيونية؟ وإلى متى يتواصل الصمت الدولي والعربي؟ وإلى متى يبتلع القائمون على حقوق الانسان ألسنتهم إزاء الانتهاكات الصهيونية الخطيرة؟ وإلى متى يتواصل صمت العرب إزاء الفظاعات الصهيونية؟ أسئلة تبقى مطروحة برسم كل هؤلاء في انتظار أجوبة شافية لها قد تساعد على بلورة رأي عام دولي يساهم في تعرية الوجه القبيح للكيان الصهيوني وفي تأمين جماية أبناء الشعب الفلسطيني في انتظار استرداد حقوقهم الوطنية المشروعة في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.. عبد الحميد الرياحي