ما إن تسرّب خبر لقاء وزيرة الخارجية الليبية بنظيرها الصهيوني في العاصمة الايطالية تمهيدا للتطبيع حتى هبّ الشعب الليبي من أقصى البلاد إلى أقصاها غاضبا، مزمجرا لاسماع صوته الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني. وبعيدا عن الخلافات والانتماءات فقد تربت أجيال من الشعب الليبي على عروبة فلسطين وعلى عدالة قضية الشعب الفلسطيني وعلى العداء للكيان الصهيوني الذي يغتصب الأراضي الفلسطينية ويخضع الشعب الفلسطيني لاحتلال بغيض لا يعرف غير غطرسة القوة والقهر.. ويدير ظهره للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي طليعتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. الشعب الليبي كبرت وتربت أجيال وشرائح كبيرة منه على أطروحات القائد الشهيد معمر القذافي الذي أفنى عمره مدافعا عن عروبة فلسطين وداعيا إلى تفعيل وحدة الصف العربي نصرة للقضية ودرءا للخطر الصهيوني القادم والذي يعدّ تهديدا مباشرا لكل الأقطار العربية.. وليس خافيا في هذا الباب أن العقيد دفع حياته وبقاء نظامه بسبب رفضه التطبيع مع الكيان الصهيوني.. حيث كشفت خفايا المؤامرة على جماهيرية القذافي أن قوى دولية حاولت ابتزازه تحت ضغط الأحداث وإجباره على بيع مبادئه وقناعاته القومية وإقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني في سبيل انقاذ نفسه ونظامه وتجنيب ليبيا الدمار الذي حصل. لكنه رفض الفكرة جملة وتفصيلا واختار الانحياز لمبادئه وقناعاته ومقارعة الغزاة الجدد على أن يخضع لإملاءات الدوائر المتصهينة.. والشعب الليبي الذي عرف بعروبته وبتشبعه بالفكرة القومية وبانحيازه للقضية الفلسطينية عرف بانتفاضته الشاملة رفضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني كيف يرسم إجابة واضحة وصريحة لكل المتخاذلين الذين لا يتردّدون في التنكّر لكل القيم والمبادئ لقاء مكاسب سياسية.. إجابة الشعب الليبي جاءت صادقة، تلقائية ومعبّرة عن نبل المبادئ والمعاني التي تشبّع بها هذا الشعب العربي الأصيل الذي عرف في اللحظة التاريخية الحرجة كيف يعبّر عن معدنه الأصيل.. وكيف يفسد طبخة مذلة ظلت تطبخ على نار هادئة في اتجاه إلحاق ليبيا قلعة العروبة بركب الدول العربية الخانعة والمطبّعة مع الكيان الصهيوني. والواقع ان إجابة الشعب الليبي وهبّته للدفاع عن كرامة ليبيا وعروبتها تتعدّى حدود ليبيا وتتعدى الشعب الليبي لتكون تعبيرا عن وجدان كل الشعوب العربية التي رضعت حليب الفكرة القومية حتى الثمالة وكبرت على عدالة قضية فلسطين وضرورة النضال من أجل تحريرها وانتزاع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها الحق في إقامة دولة حرة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كما تنص على ذلك قرارات الشرعية الدولية التي يتنكر لها الكيان الصهيوني ويدوسها تحت جنازير دباباته ويمضي في مصادرة الأراضي الفلسطينية وفي تهويدها لهثا وراء ما يسمى «يهودية اسرائيل».. الهبّة الليبية هي كذلك رسالة واضحة لقادة الكيان الصهيوني ولكل عرّابي التطبيع ولكل القوى الغربية الضاغطة في سبيل إحلاله بأن الوجدان العربي رافض لهذا المبدإ من أساسه.. معترض على التطبيع جملة وتفصيلا.. غير قابل بوضع العربة قبل الحصان من خلال الهرولةإلى التطبيع قبل استعادة الحقوق الفلسطينية وتحرر الشعب الفلسطيني ومقدساته من براثن المحتل الصهيوني. والأكيد ان الصرخة المدوية التي أطلقها الشعب الليبي رفضا للتطبيع والتي ترددت أصداؤها في كامل الربوع العربية وفي كل أصقاع الدنيا تشكّل خطّا أحمر أمام كل خانع وخاضع تحدثه نفسه بالسير في نهج التطبيع.. وستعيد الروح للثوابت العربية ولقومية المعركة مع الصهيونية التي تحاول التسلل إلى النسيج العربي من خلال الاستفراد في كل مرّة ببلد عربي.. فهل بلغت الرسالة.. الرسالة التي أرسلها الشعب الليبي أصالة عن نفسه ونيابة عن كل الشعوب العربية. عبد الحميد الرياحي