ككل عام، تكون السنة الدراسية مُحاطة بجملة من الأخطار المُحدقة والمخاوف المُخيّمة على الأولياء والتلاميذ بالنظر إلى ما أصبح يتعلق بالشأن التربوي من صعوبات وتقلبات تبدأ منذ مطلع العام الدراسي وتتواصل إلى نهايته. وهو ما أصبح يُهدّد بضياع واحد من أهم وأرقى مكاسب دولة الاستقلال وهو الثروة البشرية التي يُنتجها التعليم العمومي.. ليست المرة الأولى التي يكثر فيها الجدل مع بداية شهر سبتمبر من كل عام عن الاستعدادات للسنة الدراسية وعما أصبحت تثيره لدى العائلات التونسية من قلق ولدى المتدخلين في المنظومة التربوية من هواجس.. فاليوم، لا حديث لدى العائلات التونسية إلا عن تأمين عودة مدرسية هادئة وناجحة لأبنائهم وعن ضمان تواصل السير الطبيعي للدروس طوال العام. وعلى امتداد السنوات الدراسية الماضية ذاقت العائلات التونسية الأمرين نتيجة تعطل الدروس – لعدة أسباب - وغياب الظروف الملائمة للدراسة في عديد المؤسسات التربوية وفشل الدولة في رقمنة التعليم وفي إصلاح الزمن المدرسي وفي تطوير البرامج التعليمية وفي حلّ "عقدة" المشاكل الاجتماعية داخل القطاع التربوي. وقد أصبحت تكاليف الدراسة تمثل اليوم الهاجس الأكبر للعائلات التونسية بالنظر إلى ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية وكذلك نقص توفر الكراس المُدعّم وتواصل هاجس تكاليف الدروس الخصوصية وأيضا الصعوبات التي مازال يواجهها عديد التلاميذ للتنقل إلى المدارس والمعاهد وغيرها من النفقات الأخرى التي تتطلبها العودة المدرسية.. وتظل البنية التحتية للمؤسسات التربوية من أكثر المسائل التي تثير قلق الأولياء والتلاميذ والمربين مع بداية كل سنة دراسية.. فعديد المدارس الابتدائية والإعدادية والمعاهد الثانوية مازالت تفتقر إلى الأدنى المطلوب من حيث توفر قاعات التدريس وتوفر التجهيزات والظروف اللائقة لتأمين السير الطبيعي والملائم للدروس. كما أن الدولة لم تنجح إلى حدّ الآن في التوصل إلى حلّ جذري بخصوص الزمن المدرسي يراعي مصالح الجميع، من تلاميذ واولياء ومُربّين وغيرهم من المعنيين بالشأن التربوي. فالزمن المدرسي اليوم في تونس "قاتل" ولا يتيح أي متنفس تثقيفي او ترفيهي للتلميذ والمربي وتجعل الولي دائما تحت ضغط الوقت .. ومن المفارقات الكبرى في بلادنا أن التعليم مثل منذ الاستقلال أحد أبرز استثمارات الدولة بالنظر إلى ما يمثله من مكسب على الصعيدين الاقتصادي والتنموي والاجتماعي. وقد تأكدت صحة هذه الفلسفة "البورقيبية" على امتداد أكثر من 70 عاما حيث وجدت الدولة في أبنائها "المُتعلمين" أهم ثروة وطنية تمكنت بفضلها من بناء إدارة قوية ومتماسكة ومن إرساء مكاسب اقتصادية وتنموية واجتماعية محترمة مازالت آثارها قائمة إلى اليوم. غير أن كل ذلك أصبح مهددا اليوم بالضياع والتلاشي في ظل ما أصبح يُخيّم على الاستثمار في الثروة البشرية من مخاطر نتيجة ما أصبحت تشهده المنظومة التعليمية والتربوية منذ سنوات وإلى حد الآن من ضعف وهشاشة.. وهو ما يؤكد الحاجة الآن وفي أسرع وقت ممكن للتعجيل بإصلاحها وبتلافي كل النقائص المحيطة بها قبل فوات الأوان. ويتطلب ذلك من الدولة التعجيل بتنفيذ مشروع الإصلاح التربوي الذي أعلنه وتعهد به رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ أشهر، وعدم إضاعة الوقت ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم. ويمكن أن يكون ذلك من خلال التعجيل بتأمين عودة مدرسية ناجحة بالنسبة للعام الدراسي الحالي وتسخير كل جهود وإمكانيات الدولة لتهيئة الظروف الملائمة للسير العادي والطبيعي للدروس وتشريك القطاع الخاص في كل ذلك.. لا شيء يمنع اليوم من "الإنقاذ" التربوي.. فالإرادة السياسية متوفرة والحلول المالية يمكن إيجادها – رغم الصعوبات - من أجل العناية أكثر بالمؤسسات التربوية، وكل المشاكل المحيطة بالشأن التربوي يمكن حلها شريطة تحلي الجميع بروح المسؤولية وفرض تطبيق القانون كلما تعلق الأمر بتعطيل هذا المرفق الحيوي والهام في دولة لا خيار أمامها غير الاستثمار في التربية والتعليم. فاضل الطياشي