لم يكتف الكيان الصهيوني المحتل بما ارتكبه طيلة 12 يوما من مجازر وإبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني بل امتدت نواياه إلى ما أكثر من ذلك وبلغت به الجرأة والتعنت حدّ محاولة الدفع بأبناء غزة إلى المغادرة و"الهروب" في إطار مخطط "التهجير".. وهو مخطط قديم – جديد وجريمة حرب لا تقل خطورة عن جرائم الحرب الميدانية، وكانت الغاية منه دائما إفراغ أقصى ما يمكن من مساحات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة من سكانها ومواطنيها الأصليين لتوسيع الاستيطان وتجريدهم من كل آمالهم وطموحاتهم لاسترداد موطنهم.. وقد جاءت مؤخرا مختلف تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ومن والاهم من القوى الغربية ومن بعض الأصوات "الناعقة" في بعض الدول، لتدعو صراحة أو تلميحا قصد تنفيذ هذا المخطط الجهنمي وذلك عبر التلميح لتهجير أبناء غزة نحو منطقة سيناء المصرية او ابناء الضفة الغربية نحو الأردن او نحو بعض الدول العربية الأخرى.. وهو ما رفضته بشدة قيادة البلدين بل رفضته وأدانته واستنفرت ضده كل الأطراف الدولية والدول العربية وغيرها المتشبثة بالدفاع عن القضية الفلسطينية وعن حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه ودولته. ليست المرة الأولى التي تُخطط فيها إسرائيل ل"جريمة" التهجير. فإبان نكبة 1948، جاءت العبارة الشهيرة لأول رئيس وزراء اسرائيلي، ديفيد بن غوريون، بالقول إن "العرب يجب ألا يظلوا هنا"، في إشارة إلى ضرورة تطبيق سياسة التهجير.. ثم كان الموعد أواخر الستينات وبداية السبعينات مع خطة أخرى مُدبّرة من اسرائيل تتمثل في تهجير مقنع وهو "الهجرة الطوعية" لفلسطينيين نحو دول أوروبية وغيرها بهدف العمل او الدراسة، ثم تم رفض منحهم حق العودة، وبعضهم ظل عالقا في الخارج إلى اليوم.. وطيلة السنوات الموالية، تتالت محاولات أخرى تمحورت أغلبها حول الضغط على مصر وتقديم تشجيعات وحوافز للقبول بتوطين فلسطينيين بمنطقتي سيناء والعريش وصولا إلى صفقة القرن التي قدمها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي كانت تحمل النوايا والأهداف نفسها: تهجير اقصى ما يمكن من فلسطينيين والضغط على دول عربية للقبول بذلك، غير ان المخطط قوبل دائما بالرفض. واليوم أتت زيارة الرئيس الأمريكي بايدن الى المنطقة مؤخرا في محاولة للنفخ على رماد هذه الصفقة بنية إيقاد نيرانها مجددا وتجديد مقترح "التهجير". لن يقبل الفلسطينيون بالتهجير وذلك من منطلق ما أبهروا به العالم طيلة الأعوام الماضية وإلى حدّ الآن من تضحيات وصمود وتمسك بالبقاء على أرضهم وفي حضن وطنهم وبالحق الكوني في تقرير مصيرهم وفي دولة تحفظهم.. وأكثر من ذلك لن يحظى هذا المخطط البائس بأي قبول سواء من دول المنطقة او من بقية الدول والقوى التي تساند القضية الفلسطينية والملتزمة بالقوانين الدولية، لأن الأمر يتعلق بكل أصناف الأفعال التي يُجرّمها القانون الإنساني الدولي، من "جريمة حرب" إلى "جريمة إبادة جماعية" ثم "جريمة ضد الإنسانية". وهي جرائم لن يسلم من تبعاتها – عاجلا أم آجلا- كل من ساندها أو سهل ارتكابها.. وقد آن الأوان اليوم لأن تقف كل الدول العربية صفا واحدا تجاه نوايا التخطيط لهذه الجريمة ومنع تداول اية مقترحات بشأنها داخليا وتجريم ذلك .. فبعض الأصوات التي بدأت تظهر مؤخرا في بعض الدول العربية – منها تونس- لاستقبال الفلسطينيين الراغبين في "التهجير"، والتي بدت ظاهريا وكأنها ملتحفة برداء "الشعور الانساني النبيل" الهادف لإنقاذ أبناء الشعب الفلسطيني من نار الحرب نحو دول آمنة، تفوح من ورائها رائحة الترويج لهذا المخطط الجهنمي الاسرائيلي الأمريكي. وهو ما ترفضه الدول التي تؤمن بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها تونس تونس، قيادة وشعبا. فاضل الطياشي