باتت الهجرة غير النظامية ظاهرة إشكالية تطرح على البلاد تحديات اقتصادية عديدة في علاقة بإحداث اختلالات في منظومات الاستهلاك والتشغيل وهو ما يثير حفيظة طيْفٍ معتبرٍ من المواطنين، وذلك بالأساس في ظلّ تدفّق آلاف المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، بطرق غير قانونية، وانتشارهم بشكل عشوائي في الحقول والغابات والمناطق الطرفية، وشوارع بعض القرى والمدن التونسية لا سيما بولاية صفاقس والجهات المجاورة لها. وتقدر بعض المصادر عدد المهاجرين غير الشرعيين بنحو 100 ألف شخص، نسبة هامة منهم تتواجد في ولاية صفاقس مما تسبب وفق التقديرات في استهلاك حوالي 10 بالمائة من ميزانيتها، في سياق تزايد نفقات دعم المواد الأساسية وتأثيرات وجود خيام المهاجرين غير النظاميين في حقول الزياتين علما ان مخصصات التنمية في المنطقة تناهز 50 مليون دينار سنويا. كما يعمل عدد من هؤلاء في قطاعات اقتصادية مختلفة وذلك دون تغطية اجتماعية وخارج إطار دفع الضرائب على مداخيلهم مما يؤثر على أوضاعهم، من جهة ويخل بتوازنات الاقتصاد والمالية العمومية، من جهة أخرى. في هذا الإطار، تم مساء الجمعة 20 ديسمبر 2024 بمجلس نواب الشعب تقديم مقترح قانون أساسي من قبل النائب فاطمة المسدي ومجموعة من أعضاء المجلس لإنهاء ظاهرة الهجرة غير النظامية عبر آلية الترحيل، حيث جرت احالة المقترح لتنظيم ترحيل المهاجرين غير النظاميين، تضمن أربعة أبواب و19 فصلا. وتم التأكيد في باب الأحكام العامة للمبادرة التشريعية أن مقترح القانون يهدف إلى تكريس السيادة الوطنية وتنظيم عملية ترحيل المهاجرين غير النظاميين بطريقة قانونية مع احترام حقوق الإنسان والالتزام بمعايير المعاهدات الدولية، من جهة وتوفير بيئة آمنة و منظمة للمهاجرين، مع ضمان عدم تعرضهم ألي شكل من أشكال الاستغلال أو المعاملة السيئة، من جهة اخرى. كما جرت الاشارة، في ذات السياق، الى ان مقترح القانون لا يمس من الحق في اللجوء السياسي ويمنع ترحيل أو تسليم المنتفعين به. هذا وجرى تعريف المهاجر غير النظامي وفق نص المبادرة التشريعي على انه كل أجنبي متواجد داخل الأراضي التونسية خلافا للصيغ القانونية .كما تم التنصيص على أن الترحيل هو إجراء قانوني تتخذه السلطات الوطنية بحق شخص أو مجموعة أشخاص، ويقضي بترحيلهم من الدولة المعنية إلى بلدانهم الأصلية استنادا إلى عدم توفر الشروط القانونية للإقامة الشرعية. في جانب اخر، نوه الفصل الخامس من مقترح القانون والوارد في باب شروط و إجراءات الترحيل إن الدولة تهيئ ظروف ترحيل المهاجرين غير النظاميين بما يكفل أمنهم وسلامتهم وحرمتهم الجسدية والنفسية وكرامتهم وذلك بالتوازي مع منع الترحيل المهاجر غير النظامي إذا كانت هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأنه يواجه خطر التعرض لانتهاك حقوقه الأساسية أو تعرضه للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وقدمت المبادرة التشريعية عدة ضمانات للمهاجر غير النظامي المعني بالترحيل حيث وقع التنويه بأن يُمكن للمهاجر غير النظامي تقديم طعن في قرار الترحيل وفق آجال مضبوطة من تاريخ الإشعار بالقرار أو من تاريخ العلم الفعلي بالقرار. ويتم تقديم الطعن معلال أمام المحكمة الإدارية مرفقا بالمستندات اللازمة التي تدعم الطعن. في نفس الاطار الاجرائي، تحترم السلطات التونسية، على معنى مقترح القانون، التزامها بالمعايير الدولية أثناء عملية الترحيل، مع السعي لإبرام اتفاقيات ثنائية مع دول المهاجرين غير الشرعيين لضمان إعادة قبول مواطنيهم ووجوب إتمام الترحيل بالتنسيق مع دول الأصل للمهاجرين والموافقة على عملية العودة مع مراعاة الالتزامات الدولية للجمهورية التونسية. أما على المستوى الزجري، فقد جرى التذكير على أن العقوبات الواردة بالمجلة الجزائية وبالقانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص، تنطبق في صورة المشاركة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تهريب المهاجرين وتسهيل الهجرة غير النظامية والإتجار بالبشر، سواء عبر التهريب أو استغلال المهاجرين او تعريض حياتهم للخطر. يذكر أن الهجرة غير النظامية هي ظاهرة تشمل تونس وعددا من بلدان المنطقة على غرار العديد من دول العالم وهي ظاهرة ذات ديناميكية معقدة مرتبطة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية للدول المصدرة لها، ونظرا لتزايد عدد المهاجرين الذي أصبح يخلق تحديات للدول المستقبلة، بدأت هذه الدول في سن قوانين ووضع شروط خاصة للدخول إلى أراضيها، ونتيجة لهذا التشديد في مراقبة الهجرة، ظهرت الهجرة غير النظامية المرتبطة بالشبكات الإجرامية التي تقوم بتهريب المهاجرين إلى هذه الدول مقابل منافع مالية، مما حدا بالمجتمع الدولي إلى إقرار اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة والبروتوكول الملحق بها الخاص بمكافحة تهريب المهاجرين لعام 2000. ويعتبر الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، أول اتفاق حكومي دولي، تمَّ إعداده تحت رعاية الأممالمتحدة، من أجل تغطية جميع أبعاد الهجرة الدولية بطريقة كلية وشاملة. وجرى اعتماده في مؤتمر حكومي دولي بشأن الهجرة في مراكش، بالمغرب في 10 ديسمبر 2018. ورحبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالاتفاق العالمي كإطار مهم من أجل تعزيز إدارة الهجرة التي تضع مسألة المهاجرين وحقوقهم الإنسانية في صميمها وتقدم فرصة سانحة من أجل تعزيز حماية حقوق الإنسان لجميع المهاجرين، بصرف النظر عن وضعهم. ويستند الاتفاق العالمي إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان ويؤكد من جديد على التزام الدول باحترام كل حقوق الإنسان لجميع المهاجرين وحمايتها والوفاء بها.