على مدار أكثر من 15 شهرا ، تعيش غزّة التي تحوّلت الى أكبر جرح مفتوح في قلب العالم تحت وطأة أفظع صور الإبادة الجماعية ، في صمت عربي مطبق وتواطؤ غربي مفضوح، خاصة من الولاياتالمتحدة، مما يطيل أمد هذه المأساة التي مزقت القلوب وأثارت تساؤلات جوهرية حول مصداقية القيم التي تروج لها القوى الغربية...والأسئلة التي باتت تُطرح بقوة هي: كيف يبرر العالم المتحضر، الذي يتغنى بحقوق الإنسان، هذه الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزّة؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة، بما تملكه من تأثير سياسي وعسكري، أن تظل صامتة أمام جريمة إبادة بشعة؟ ومنذ السابع من أكتوبر 2023، استمر العدوان على قطاع غزّة بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث، حيث استشهد أكثر من 45 ألف فلسطيني، جلّهم من النساء والأطفال، بينما أصيب أكثر من 108 ألف آخرين حتى ان آخر احصائية كشفت ان طفلا يستشهد كل 60 دقيقة ! ...وفي خضم هذه المذبحة، تتوالى الجرائم الصهيونية اليومية، وآخرها اقتحام مستشفى كمال عدوان في شمال غزّة يوم أمس الجمعة ، الذي يعد من أكبر المستشفيات في القطاع، وتم إجبار الطواقم الطبية والمرضى على الخروج عراة تحت تهديد السلاح، ثم إحراقه .. والأكثر فداحة وخطورة من هذه الجرائم الصهيونية هو موقف الولاياتالمتحدة، التي تتباهى دوماً بحقوق الإنسان والديمقراطية، لكنها اختارت أن تكون شريكاً في هذه الجرائم عبر توفير الأسلحة والغطاء السياسي للكيان الصهيوني وهو ما يدفع العالم الى الاستغراب من تحوّل أمريكا ، التي تدعي حمل راية الديمقراطية وحقوق الإنسان، الى الشريك الرئيسي في هذه الإبادة. فالأرقام والفيديوهات التي توثق المجازر في غزّة تتحدث بصوت أعلى من كل التصريحات الأمريكية المضللة، لكن الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن تواصل دعمها المطلق لإسرائيل، حتى في ظل الاعتراف الواضح من قبل قوات الاحتلال نفسها بارتكاب هذه الجرائم. فجيش الاحتلال اعترف بأن الهجوم على غزّة هدفه الوحيد هو إخلاء القطاع من الوجود الفلسطيني، في جريمة تطهير عرقي لا تخفى على أحد. ومع ذلك، تواصل واشنطن منح الضوء الأخضر للكيان الصهيوني للاستمرار في هذه الإبادة. هذا الموقف الأمريكي يثير غضباً ليس فقط في العالم العربي، بل في المجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية التي وجهت مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت بسبب ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. ومع ذلك، يبقى نتنياهو وعصابته طلقاء، لأن أمريكا تمنع أي تحرك دولي جاد ضدهم. هذا الاصرار الامريكي على دعم الارهاب الصهيوني يؤكد لنا ان واشنطن متخوفة من معارضة الاحتلال وادانته لأنه لو تتم إدانة نتنياهو أو محاسبته، فسيتم فتح باب المساءلة تجاه الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، الذي كان السبب المباشر في هذه الجرائم التاريخية لذلك تظل أمريكا ماضية في تغطيه الجرائم على حساب الدم الفلسطيني، لتفادي تبعات المساءلة على مشاركتها الفعّالة في هذه الكارثة الإنسانية. اليوم، وعلى الرغم من كل هذه الفظائع، تظل أمريكا وحلفاؤها في الغرب يغلقون أعينهم، ويصمّون آذانهم عن صرخات الأطفال والنساء الفلسطينيين في غزّة. لا لشيء سوى لأنهم يعتبرون أن السياسة والمصالح والأموال أهم من الأرواح البشرية وهو نفاق دولي مفضوح، وانتهاك صارخ لأبسط مبادئ حقوق الإنسان... لذلك بات واضحاً للجميع أن العدالة لن تأتي من واشنطن، بل من شعوب العالم التي تقف إلى جانب فلسطين في نضالها المشروع ضد الاحتلال. ناجح بن جدو