جولة قائد الديبلوماسية الأمريكية انتوني بلينكن التي قادته إلى المنطقة وهي التاسعة له منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي وما تلاها من عدوان وحشي وحرب إبادة جماعية تشنها آلة الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزّة لم تكن لتعرف نجاحا و لا أي مؤشر على التقدم وإعطاء أمل للوصول إلى صفقة تنهي هذه المأساة الإنسانية التي تشكّل وصمة عار على جبين الإنسانية التي تقف إما متواطئة أو مشاركة أو عاجزة عن ردع الكيان الصهيوني الذي يمارس أبشع أنواع الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود. فلا يمكن لبلينكن و لا للإدارة الامريكية التي يمثّل أحد أهمّ ركائزها ومنظّريها أن تلعب دور الوسيط وهي التي فقدت معطى مهما جدا للعب هذا الدور وهو الحياد خصوصا و أنها قدّمت كل أنواع السند و الدعم لنتنياهو وزمرته الفاشية منذ اليوم الأول من إطلاق الحرب الظالمة على الشعب الفلسطيني في غزة حيث يقتل هذا الشعب الأبيّ الصّامد بأسلحة أمريكية بالدرجة الأولى في الوقت الذي ثبت فيه للعالم بأسره أن ما تمارسه إسرائيل ليس بالحق المشروع في الدفاع عن النفس الذي لا ينطبق عليها بمقتضى القوانين الدولية باعتبارها قوة احتلال وإنما تمارس أبشع أنواع جرائم الإبادة الجماعية بشهادة المؤسسات الأممية و محكمتي العدل و الجنايات الدولية التي تنظر في قضايا مرفوعة ضد دولة الاحتلال على معنى تلك الجرائم بالذات وقد تصدر قريبا مذكّرات إيقاف دولية ضد نتنياهو و زمرته المجرمة. فالإدارة الأمريكية في المرحلة الراهنة مازالت تراهن على الحصان الخاسر و الورقة المحترقة من خلال مواصلتها التعويل على إمكانية قبول نتنياهو بالصفقة التي اقترحها الرئيس جو بايدن في حين أن رئيس وزراء الحكومة الصهيونية الفاشية لم يفعل شيئا منذ عشرة أشهر غير الالتفاف على كل الصفقات التي قُدّمت له وإفراغها من محتواها على نقائصها و هناتها التي تخدم بدرجة أولى مصالح الكيان المحتل والتي قبلتها فصائل المقاومة الفلسطينية و لكنه رغم ذلك يعمد إلى تعطيلها و تقديم مقترحات تجعلها أشبه بوثيقة الاستسلام النهائي للفلسطينيين. فلا يهمّ مجرم الحرب نتنياهو اليوم أن يحيي مسار السلام و أن ينهي هذه المعاناة الإنسانية المتواصلة منذ أكتوبر الماضي و أن يعود الأسرى و الرهائن إلى ديارهم و ذويهم، فما يهمّه فقط هو إشعال الحريق في المنطقة لأن البديل الوحيد عن المفاوضات و الوصول إلى حلول و اتفاقات عادلة هو جرّ الجميع إلى حرب إقليمية قد تكون نذرا لحرب عالمية ثالثة كما وصفها المرشح الرئاسي دونالد ترامب في تسجيل تناقلته عنه مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا وهو السيناريو الذي لا يردع نتنياهو لأن هدفه الوحيد هو إطالة أمد حكمه للهروب من الملاحقات القضائية التي تنتظره داخليا و خارجيا. و بعيدا عن هذه الجولات المتواترة التي تقود بلينكن إلى المنطقة و إلى إسرائيل بالتحديد و التي تبقى دوما ضمن إطار العمل الديبلوماسي الروتيني الذي لا يجدي نفعا، فإن الحلّ الحقيقي يبقى بيد واشنطن لأن الكيان المحتل وقادته لا يمكن أن يتحرّكوا بعيدا عن المربع الذي ترسمه لهم الولاياتالمتحدة مهما حاول نتنياهو التسويق لقدرته على تفادي الضغوطات و التماهي عن موقف أمريكا الذي يبقى مجرد شعار كاذب لا قدرة له على تنفيذه واقعيا وبالتالي فإن الحل والربط يبقى بيد إدارة بايدن إذا ما أرادت إنهاء عهدتها باتفاق سلام حقيقي يضع حدّا لهذه الحرب الظالمة التي أشعلها نتنياهو و التي لا تقدر دولة على إطفاءها غير الولاياتالمتحدة. هاشم بوعزيز