الخلاف بين الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس وزراء الكيان نتنياهو أصبح ملحوظا بالعين المجرّدة.. خلاف يتبعه برود في علاقات الرجلين وافتراق مصالح واختلاف حسابات بينهما. لكن هذا الخلاف لا يجب أن يحمّل أكثر مما يحتمل أو أن تذهب به التأويلات والقراءات حدّ اسقاطه على علاقات أمريكا بحليفها الاستراتيجي اسرائيل. لأن الخلاف هو أولا وأخيرا بين قيادتي أمريكا واسرائيل نتيجة قراءات وحسابات ومصالح مختلفة بين الطرفين.. وليس خلافا اسراتيجيا بين أمريكا والكيان سيكون له ما بعده ويمكن أن يؤثر على طبيعة العلاقة بين الطرفين. ولنقل أولا أن حسابات نتنياهو السياسية باتت تشكل عبءا على الادارة الأمريكية.. كما أن حساباته الشخصية باتت تسبّب صداعا للرئيس ترامب تماما كما كان الشأن مع إدارة الرئيس بايدن الذي تذمر من تهور نتنياهو ومن اندفاعه وراء حساباته الشخصية غير عابئ بمصالح أمريكا التي تزوده بالمال وبالسلاح وتوفر له الغطاء السياسي ليمضي في اجراء الترتيبات الاقليمية وفق ما تفرضه رؤية أمريكا للمنطقة ووفق ما يفرزه التقاء مصالح الطرفين.. وليس وفق رؤية إسرائيل ووفق حسابات نتنياهو الضيقة والتي تدفعه للهرولة وراء خيار الحرب وفتح المزيد من الجبهات مخافة أن يفضي وقف القتال إلى فتح جردة الحسابات السياسية والقضائية في الداخل الاسرائيلي.. وهي حسابات ستقذف به لا محالة وراء القضبان وستنهي مشواره السياسي بكابوس مرعب يجتهد نتنياهو في ابعاده نهائيا أو على الأقل تأجيله ما استطاع في انتظار هبوب رياح أخرى تكون أكثر ملاءمة لحساباته السياسية والشخصية. فالرئيس ترامب الذي ما فتئ يعلن حتى قبل وصوله إلى سدّة الحكم أنه لن يشعل المزيد من الحروب بل سيعمل على اطفائها بات على يقين بأن اللحظة السياسية قد حانت لإطفاء الحرب الصهيونية على غزة وتبريد اقليم بات جموح نتنياهو واندفاعه وراء خيار الحرب يهدد باشعال حرب شاملة فيه قد تمتد من إيران إلى اليمن وإلى ساحات أخرى.. وقد بادر إلى مباشرة مفاوضات مباشرة مع ايران وهو ما يشكل صفعة أولى لنتنياهو وافتراقا أولا لمصالح وحسابات أمريكا وإسرائيل.. كما عمد إلى ابرام اتفاق غير مكتوب مع الحوثيين في اليمن مما أفضى إلى تبريد الجبهة مع عدو يؤرق نتنياهو ولا يتردد في قصفه بالصواريخ علاوة على حصاره البحري في باب المندب.. وهو ما يراه نتنياهو خذلانا من الرئيس ترامب الذي تركه وحيدا في مواجهة صواريخ وحصار الحوثيين وفي مواجهة برنامج نووي إيراني يريد أن يجر أمريكا إلى حرب مشتركة عليه بما يفضي إلى انهائه واقصاء الخطر النووي الايراني إلى الأبد. ولتكتمل الحلقة حول رقبة نتنياهو لم يعد ترامب يخفي توجهه إلى انهاء حرب غزّة.. وهو توجه يمرّ عبر ابرام صفقة تبادل شامل للأسرى بدأها باتفاق مع حماس من وراء ظهر نتنياهو وأفضت إلى تسريح الأسير الأمريكي عيدان الكسندر وهو ما شكل صفعة قوية لنتنياهو زادت في إضعافه وزادت في تأجيج غضب الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي باتت تضغط بشدّة لإبرام صفقة تبادل شاملة للأسرى ولو أدى ذلك إلى القبول بوقف الحرب. والواقع أن الرئيس ترامب وحين يراكم هذه الخطوات ويذهب باتجاه وقف العدوان الصهيوني على غزة فإن ذلك ليس من أجل عيون أبناء القطاع.. بل لحسابات أمريكية صرفة.. ذلك أن إدارته باتت ترى أن حرب الكيان على غزة حققت لها الأساسيات المطلوبة لانجاز استراتيجيتها للمنطقة ولتحقيق الأهداف الأمريكية أولا والاسرائيلية ثانيا.. فالقطاع دمّر بالكامل وأبناء غزّة تقطعت بهم سبل الحياة وفصائل المقاومة باتت تقبل بصفقة تخرجها من حكم القطاع لفائدة ادارة مدنية لن تكون بعيدة عن تجربة حكم العراق في عهد بول بريمر (بعد الغزو). وهذه عناصر ترى فيها إدارة ترامب فرصة لتهدئة تفضي إلى اخراج سلاح حماس من المعادلة وإلى تمهيد الأرضية لعبور مشروع طريق الهند أوروبا وحتى لشقّ قنال بن غوريون الذي تخطط من خلاله اسرائيل إلى «اخراج» قنال السويس من الخدمة وتوجيه ضربة اقتصادية واستراتيجية قاصمة لمصر. هذه الحسابات الأمريكية يدركها نتنياهو ويفهم مغزاها لكنه يفهم أنها لا تلائم مصالحه السياسية والشخصية الضيقة.. وهو ما قد يمضي بالقطيعة بينه وبين ترامب إلى أبعد مدى. عبد الحميد الرياحي