يعيش لبنان الشقيق أياما حرجة على وقع قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله... وهو القرار الذي أحدث جدلا كبيرا في الساحة اللبنانية بين مؤيد لقرار الحكومة بحصر السلاح عند الدولة اللبنانية وبين معترض ومؤيد لموقف حزب الله الرافض لتسليم السلاح طالما استمر الاحتلال الصهيوني لنقاط في الجنوب اللبناني وطالما استمر التهديد الصهيوني للبنان عموما ولبيئة حزب الله خصوصا في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت... وطالما استمر كذلك عجز الجيش اللبناني عن ردع التهديد الصهيوني وتأمين الحماية اللازمة والكافية لكامل الجغرافيا اللبنانية... والواقع أن موقف الدولة اللبنانية الذي يعبّر عنه بالخصوص رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والذي يدفع نحو نزع سلاح حزب الله وحصر حمل السلاح عند أجهزة الدولة من جيش وأمن هو موقف معقول ويمكن الاصغاء إليه والقبول به في ظروف غير الظروف التي يعيشها لبنان ويعيش على وقعها الاقليم برمته... ذلك أن نتنياهو الذي أشعل المنطقة من غزة إلى الضفة ومنهما إلى لبنان وسوريا وصولا لإيران يرفع شعار تغيير خارطة الشرق الأوسط. بما يعنيه ذلك من تدمير دول وتحطيم كيانات وتغيير حدود وإعادة رسم جغرافية المنطقة وفق ما يقتضيه قيام ما يسمى «اسرائيل الكبرى» ووفق ما يقتضيه قيام «شرق أوسط جديد» من ظهور كيانات ودويلات قزمية على أسس عرقية وطائفية تدور في فلك الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي... وكذلك وفق ما تتطلبه هذه المقاولة الكبرى من تهجير للسكان ومن تبادل إجباري للمناطق... وكل هذه التداعيات والمخاطر لا تستثني بلدا في إقليم الشرق الأوسط برمته ولبنان تحديدا يقع في قلب هذه العاصفة ويقع بالكامل في مرمى وفي مجال تدحرج كرة النار التي سترسم بتدحرجها حدود «اسرائيل الكبرى» وملامح «الشرق الأوسط الجديد» كما تريدهما اسرائيل وحليفها الأمريكي... من هنا ألا يكون من قبيل الانتحار قبول لبنان بتسليم سلاح حزب الله وهو السلاح الوحيد القادر على الذود عن لبنان وإيلام الكيان الصهيوني وردعه ووقف اندفاعته نحو الساحة اللبنانية كمجال مشمول ب«اسرائيل الكبرى» وبما يسمى «الشرق الأوسط الجديد»؟ نعرف أن الضغوط الممارسة صهيونيا وأمريكيا وحتى عربيا على الدولة اللبنانية كبيرة وكبيرة جدا. ونعرف أن كل السبل باتت تضيق أمام الدولة اللبنانية لدفعها دفعا للسير في سكة تجريد حزب الله من سلاحه وهو الشوكة الوحيدة الباقية في حلق الصهاينة وفي قدم الكاوبوي الأمريكي والذي يقضّ راحتهما ويهدّد بتقويض أحلامهما في رؤية علم «اسرائيل الكبرى» يرفرف على المنطقة من النيل إلى الفرات... وكذلك في رؤية شرق أوسط جديد يقوم وفق الخطوط التي رسمها برنارد لويس منذ عقود طويلة وظلت أمريكا تناور وتخاتل وتتصيّد الفرصة التاريخية لتحقيقها على أرض الواقع. لكننا في المقابل ندرك أن قدر لبنان هو أن يصمد في وجه هذه العاصفة مهما بدت عاتية ومهما حملته من مخاطر وتحديات للدولة اللبنانية ولكيان لبنان كدولة مستقلة في هذا الإقليم المضطرب... وسلاح حزب الله يمثل في هذا الإطار إحدى أكبر الضمانات وأهمها في الدفاع عن حاضر لبنان ومستقبله ومهما تصور الصهاينة والأمريكان أنهم أضعفوا الحزب في المواجهة الأخيرة وأربكوه باغتيال زعيمه الخالد الشهيد حسن نصر الله والعديد من قياداته فإن الحزب يبقى قادرا على الوقوف في وجه الهجمة الصهيونية الأمريكية وعلى إفساد الطبخة التي تعد للبنان وللمنطقة... لأنه لن يقاتل وحيدا إذا فرضت عليه المنازلة الكبرى هذه المرة.. بل إن محور المقاومة سيكون معنيا بهذه المواجهة لأنها ستكون معركة بقاء ومعركة مصير ومعركة حاضر ومستقبل وهذه المعركة تكسب بسلاح العزم والتصميم وبقوة الإرادة وبالقدرة على الصبر ومغالبة الصعاب. من هنا فإن القبول بنزع سلاح حزب الله وتقليم أظافره وهو ما يرفضه الحزب جملة وتفصيلا سيكون أشبه شيء بالانتحار... وأشبه شيء بدسّ الرأس في الرمل في انتظار مرور عاصفة لن تمر إلا وقد اقتلعت في طريقها الكيان اللبناني ومزّقته إربا بين شريط تطلب اسرائيل ضمّه إليها وبين شريط تريد مقايضته مع الجولاني مقابل تخليه عن الجولان وعن الجنوب السوري... فهل يعقل وسط هذا المشهد الصاخب أن تسير الدولة اللبنانية في طريق نزع سلاح حزب الله؟ ألا تكون بذلك قد قدّمت رأس لبنان ورأس المقاومة على طبق من ذهب للصهاينة وللأمريكان؟ وختاما نذكّر من كانت ذاكرتهم ضعيفة أو داهمهم النسيان أن المقاومة الفلسطينية سبق وأن سارت في هذا الطريق وسلمت سلاحها وغادرت بيروت يوم 21 أوت 1982... يوم 16 سبتمبر (بعد أسابيع قليلة من تسليم السلاح) ارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا التي قتل فيها حوالي 3500 مواطن فلسطيني... فهل يطلب من حزب الله وحتى بيئته المناضلة ورأس الحربة في مواجهة المخططات والهجمات الصهيونية والأمريكية القبول بتسليم السلاح والقبول بتعريض مئات آلاف اللبنانيين لمصير مشابه لمصير الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا؟ عبد الحميد الرياحي