في تحرّك مدني هو الأكبر من نوعه، يستعدّ "أسطول الصمود العالمي" للإبحار نحو قطاع غزة انطلاقا من ميناء برشلونة الاسباني، وذلك بمشاركة حوالي 50 سفينة ومئات النشطاء من 44 دولة حول العالم. هذا التحرّك الضخم للنشطاء السياسيين وللمجتمع المدني حول العالم، بدا وكأنه صرخة أخيرة لاستنهاض ضمير العالم والقادة والرؤساء العرب منهم والغربيين خاصة، من أجل وقف ابادة سكان القطاع المستمرة منذ قرابة العامين. وأبرز ما يلاحظ في هذا التحرّك البحري الأكبر من نوعه وخلافا للمحاولات السابقة، أنّه تمّ بتنسيق وبمشاركة واسعة ضمّت "تحالف اسطول الحرية" و "الحركة العالمية الى غزة"، وذلك بهدف فتح ممرات انسانية عبر البحر لإغاثة سكان القطاع. فعلى مدى 17 عاما، حاولت أكثر من 37 سفينة كسر الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة منذ العام 2007، ولم تنجح سوى المحاولات الخمس الأولى في الوصول حقيقة إلى شواطئ القطاع المحاصر. وبعد المحاولات الأولى الناجحة، تعرضت جميع القوارب والسفن الإنسانية للمنع والتضييق، كما تعرض بعضها للقرصنة الصهيونية في المياه الدولية، كان آخرها سفينة "مادلين" في جوان الماضي، وبعدها بشهر كانت سفينة "حنظلة". لعلّ الملاحظ أيضا ، أن العالم والشعوب الحرّة نهضت أخيرا ونفضت عنها عبء الضغوط وآلة التأثير الصهيونية في مشهد سريالي غير مسبوق، ينبئ بتغيّر الموازين والقناعات والولاءات للرواية الصهيونية دون غيرها. فأحرار وشعوب العالم كسروا الأغلال وباتوا هم الطوفان الذي سيقضّ مضجع الاحتلال الارهابي المجرم، الذي عرّته الابادة في غزة من كل سياسات "المظلومية" و "الدفاع عن النفس". إنها "انتفاضة عالمية" في وجه الاجرام والقتل والتدمير والتهجير والابادة، لن يصمد الاحتلال طويلا أمامه مهما أرعد وتوعّد بمعاقبة الناشطين وسلبهم حقوقهم وسجنهم الى غير ذلك من الإجراءات التي يتقنها الاحتلال جيّدا ويقمع بها شعبا 77 سنة. ورغم آلة القمع للأنظمة التي تدّعي الديمقراطية كذبا وبهتانا وهي شريكة لأكبر نظام فصل عنصري و اجرام في العالم، فإن "أسطول الصمود العالمي" بكثافته غير المسبوقة، بدأ يظهر للعالم أن الشعوب أقوى مهما عتت الأنظمة الإمبريالية. الرواية الصهيونية ترهّلت وتآكلت وهي الآن في أرذل المواقف و لايزال يدافع عنها سوى من هو عبد لها، أما الأجيال الجديدة فقد اختارت طريقا جديدا نحو الانعتاق من الولاء لترّهات "الشعب المختار" المظلوم الذي تعرّض الى محرقة نازية. الكيان الصهيوني نفسه أصبح هو النظام الفاشي والنازي الذي ارتكب ويرتكب فظائع أكبر مما ارتكبه الفاشيون والنازيون إبان الحرب العالمية الثانية، ولم يعد حلمه الأرض الموعودة فقط بل الشرق الاوسط كلّه. سقط الكيان الصهيوني وإن لم يسقط عسكريا، فالأنظمة والدول وحتى الإمبراطوريات في الأزمنة الغابرة ومهما كان جبروتها وقوتها سقطت لسبب او لآخر، انطلاقا من انحطاطها وتآكل ثقافتها الرجعية واسلوبها في البقاء. بدرالدّين السّيّاري