وسط ترحيب شعبي عارم ليس بغريب على الشعب التونسي، بدأت مساء اول امس رحلات أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة بالوصول تباعًا إلى السواحل التونسية، وتحديدًا إلى ميناء سيدي بوسعيد، بعد انطلاقها منذ نحو أسبوع من إسبانيا مرورًا بالسواحل الإيطالية، استعدادًا للانطلاق مجددًا نحو غزة لفكّ الحصار وحرب الابادة عنها. عشرات السفن ضمن أسطول الصمود العالمي وصلت تباعًا إلى تونس مساء اول امس، ومن المتوقع أن يكتمل وصول العدد الكامل (نحو 44 سفينة) ، تمهيدًا لانطلاقها مجددًا نحو غزة بعد انضمام سفن أسطول الصمود المغاربي إليها. هذه الهبة الشعبية من كل أصقاع العالم والتي تضمّ وجوه عالمية مؤثرة ومتضامنين ونشطاء بارزين مثل رئيسة بلدية برشلونة السابقة آدا كولاو، والنائبة اليسارية البرتغالية ماريانا مورتاغوا، والناشطة السويدية غريتا تونبرغ ، هي صوت الشعوب الحرة في وجه صمت وتواطؤ الانظمة تجاه ما يجري في القطاع الذي يتعرّض للإبادة منذ 23 شهرا كاملا. وهي تذكير أيضا بأن الشعوب الحية لم ترم المنديل في وجه القوى الامبريالية المتغطرسة على غرار الكيان الصهيوني وداعمه الولاياتالمتحدةالامريكية، اللذان كسرا وتعدّيا على القوانين والاعراف الدولية ويبيدون شعبا أعزل بطريقة جنونية غير مسبوقة. لا شكّ ان الابادة الجارية في القطاع وفي كل الاراضي المحتلة، لم تعد شأنا محلّيا او اقليميا بل أصبحت قضيّة عالمية عنوانها، الشعوب في مواجهة الأنظمة الفاشية والارهابية. وأسطول الصمود العالمي هو حركة تضامنية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، للتعبير والتضامن مع شعب يرزح تحت الاحتلال منذ أكثر من 7 عقود ووصل الآن الى مرحلة التطهير العرقي والابادة الجماعية، رغم ترسانة القوانين والمنظمات والمبادئ العالمية الموجودة. هذه القوانين والمبادئ التي ضرب بها الكيان المحتل وأمريكا عرض الحائط، وكأنّهم يتحدّدون كل العالم كقوى شر دخيلة على الانسانية جمعاء وحان الوقت لوضع حد لممارساتها الفاشية. المهمّة الرئيسية لأسطول الصمود العالمي كما يقول ناشطيه ومنظّميه ، هي كسر الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة وفتح ممر إنساني لإيصال المساعدات للشعب الفلسطيني. هذا التحرّك البحري الأضخم في التاريخ، سواء من حيث عدد المشاركين أو حجم التعبئة الدولية، هو رسالة عالمية عميقة بأن الحرّية مهما تراكمت منجزاتها في العالم لا تزال معدومة في الاراضي المحتلة، وأن الوقت حان لتنعم فلسطين بالحرية. وهي أيضا مسمار في نعش المنظومة العالمية الحالية التي أصبحت مترهّلة وتآكلت بسبب ازدواجية المعايير التي تكتنفها، وسيطرة العالم الغربي على مصير العالم أجمع وتطويعه في خدمة كيان محتل إرهابي وفاشي. هل كان للشعوب الحرة أن تتحرّك لولا العجز الاممي الفاضح أمام الابادة الجماعية الجارية في الأراضي المحتلة؟ لقد أصبح لزاما إعادة تشكيل نظام عالمي نزيه وعادل وحر ينصف الشعوب المقهورة وليس عصا في يد القوى الكبرى لخدمة مصالحها. إن ما يحدث الآن هو لحظة تاريخية نادرة لتونس شرف كبير فيها لكونها قاعدة للانطلاق والسند لأسطول الصمود العالمي، ولقبله من قوافل التضامن مع القضية المركزية للشعب التونسي وهي القضية الفلسطينية التي لم تصبح وجهة نظر كما أصبح عليه الحال في البلاد العربية، بل عقيدة لا تتجزّأ مهما مرّ الزمن ومهما اختلفت المصالح وكثرت التهديدات والاغراءات. بدرالدّين السّيّاري