سرعان ما تبخّرت بعض رياح الأمل التي هبّت من العاصمة القطريةالدوحة إثر تداعي القادة العرب والمسلمين إلى عقد قمّة طارئة بعد العدوان الصهيوني على قادة حماس في قلب العاصمة القطرية.. ومبعث الأمل بالنسبة للجماهير العربية والاسلامية العريضة هو أن الكيان الصهيوني قد أثخن في الجسد الفلسطيني من خلال حرب الابادة في غزة ومخطط التهجير من جهة.. وتمادى من خلال تمريغ كرامة الأمة في الوحل بالاعتداءات المتكررة من لبنان إلى سوريا، إلى اليمن وصولا إلى قطر. وتبلغ العبثية مداها وتبلغ العربدة الصهيونية مداها حين نعلم أن قطر التي تعرضت للضربة الصهيونية مبعث تداعي العرب والمسلمين إلى عقد قمة طارئة هي الوسيط الرئيسي في مفاوضات وقف حرب غزة وتبادل الرهائن.. وانها من يحتضن قاعدة العديد الأمريكية التي انتقلت إليها القيادة الوسطى الأمريكية المعنية بشؤون الهلال الاسلامي من باب «تقريب الخدمات» على ما يبدو.. ومع ذلك فإن العرب والمسلمين لم يمنعوا أنفسهم من التطلع باتجاه العاصمة القطرية انتظارا لموقف يوقف هذا الانهيار المهول للصف العربي. وفي انتظار قرار يؤسس لانقاذ ما يمكن انقاذه.. فالظرف دقيق وخطير وحساس. والوحش الصهيوني قد انفلت من عقاله بدعم وبغطاء وبتمويل وبتسليح من الدابة الأمريكية.. ومستقبل الأمة بأسرها بات على المحك وقد رفع نتنياهو شعار «اسرائيل الكبرى» التي ستضم مرحليا كامل فلسطين وأجزاء من لبنانوالأردنوسوريا وصولا إلى العراق وكذلك مصر والسعودية.. وذلك وفق ما بات متعارفا في السرديات الصهيونية التي أحيت خرافات توراثية وتندفع لتحقيقها على أرض الواقع. وفوق هذا، فقد أعطى الصهاينة دليلا على أنهم لا يراعون حرمة ولا يعترفون بحصانة لأحد ولا يتوقفون عند حدود في مسعاهم لتحقيق شعار «اسرائيل الكبرى».. كما أعطت الادارة الأمريكية الدليل لكل «حلفائها» أو لنقل لكل أتباعها والمحتمين بها انها لا تحمي أحدا ولا توفر الحصانة ولا الأمن ولا الأمان لأحد مهما أغدق من تريليونات الدولارات على رئيسها ومهما اشترى وكدس من أسلحتها ومهما استضاف من قواعد عسكرية أمريكية ومهما قدّم من خدمات.. وكل هذا بمثابة الرجّة الكبرى التي يفترض أن تهزّ القادة العرب والمسلمين وتحركهم في اتجاه اتخاذ قرارات الحد الأدنى الذي ينقذ ما بقي من كرامة الأمة وما تبقى من أمنها القومي ومن شظايا مستقبلها.. ولا ينقص العرب والمسلمين في هذا الاطار لا الأوراق التي يمكن أن تهدد المصالح الأمريكية وتوجه رسالة صارمة للكيان الصهيوني.. ولا هوامش المناورة التي يمكن أن تجعل الادارة الأمريكية وحليفها نتنياهو يدركان أن هذه المهزلة لا يمكن أن تستمر وان هذا العبث بمستقبل فلسطين والمنطقة يجب أن يتوقف.. لا نقول أن المطلوب كان قرارات تفضي إلى اعلان الحرب على الكيان أو قرارات تفضي إلى تحرير فلسطين وتخليص لبنان من مخالب الوحش الصهيوني. ولا قرارات تفضي إلى حماية اليمن وتأمين سوريا وإبعاد الأردن ومصر والسعودية عن الاعصار الصهيوني المقبل.. ولا نقول أن المطلوب كان قرارات تعنش الأمن القومي العربي وحتى الإسلامي المشترك بما يوفر الحماية والأمان لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم.. والعرب والمسلمون يملكون الوسائل والامكانيات والثقل البشري لتحقيق هذا الهدف. قلنا فقط أن الجماهير العربية تطلعت إلى قرارات ترتفع ولو قليلا إلى مستوى التحديات الوجودية التي بات يطرحها العدوان الصهيوني تنفيذا والأمريكي تخطيطا وتمويلا وتسليحا.. قرارات تعيد لشعوب المنطقة ولو جزءا من كرامتها المذبوحة والمستباحة.. قرارات تبدأ على الأقل بطرد السفراء الصهاينة من عواصمنا العربية ولوقف تزويد آلة الحرب الصهيونية بالبضائع والأغذية التي هي عبارة عن سكاكين تذبح وتبيد أهلنا في غزة.. وهذه قرارات لا تستوجب اعلان تعبئة عامة ولا تحريك جيوش وأساطيل. أما أن يجتمع القادة العرب والمسلمون ويقرروا المرور بجانب الحدث.. فإنهم يكونون بذلك قد أطلقوا رصاصة الرحمة على شيء اسمه العمل العربي والاسلامي المشترك. وعلى قضية كانت تسمى قضية فلسطين وعلى مفهوم كان مضمونه المستقبل العربي والأمن العربي المشترك. عبد الحميد الرياحي