يواجه رئيس المجلس العسكري في مالي، أسيمي غويتا، تحت ضغط الجماعات المسلحة، واحدة من أسوأ الأزمات منذ توليه السلطة، حيث يمثل الحصار الذي يشنه بضعة آلاف من المتشددين اختبارًا لشرعيته وتماسكه الوطني. ويُمثل الحصار الذي فرضه متشددو جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وسيلةً مهمةً للضغط على مالي التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة فرنسا الكبرى. ويشير معهد تمبكتو إلى أن هذا الأسلوب يمثل استنزافًا طويل أو متوسط المدى، يعقّد حركة الحكومة ويزيد من تكلفة إدارة الأزمات. أهداف هشّة ورغم النقص في الوقود، لا يزال الميسورون قادرين على تشغيل المولدات الكهربائية باستخدام الاحتياطيات أو الوقود المُهرَّب والمُشترى بأسعار باهظة. فمنذ بداية سبتمبر/أيلول، تُنفِّذ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التابعة لتنظيم القاعدة، هجمات مُستهدفة على قوافل الوقود القادمة إلى الأراضي المالية. ومالي، الواقعة في قلب منطقة الساحل، دولةٌ غير ساحلية، تعتمد على الدول المجاورة التي تمتلك إما ساحلًا أو موارد نفطية. ونظرًا لافتقارها إلى مصفاة صناعية محلية، تستورد البلاد معظم نفطها الخام المُعالَج مسبقًا لإنتاج الوقود. وفيما يتعلق بنقص الوقود، وعدت الحكومة المالية بتأمين قوافل الوقود بمساعدة القوات المسلحة. ورغم نشر موارد كبيرة، لا سيما الدعم الجوي، لا تزال شاحنات الصهاريج أهدافًا هشة. وأكد رئيس الوزراء المالي عبد الله مايغا، على شجاعة السائقين، إلا أن الواقع يُظهر عزوفهم المتزايد عن المخاطرة. السيطرة على باماكو ويشير أحد خبراء النقل في المنطقة، إلى أن الهجمات على مركبات نقل البضائع الثقيلة ليست بالأمر الجديد، بل إن تواترها واستهدافها للوقود هما ما غيّرا قواعد اللعبة. وفي وقت يخشى البعض من سيطرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على باماكو ومحافظاتها يومًا ما، فإن القوى الدافعة وراء استراتيجيتها لا تزال معقدة وفق تعليق مجلة "لوبوان" الفرنسية، أمس الثلاثاء. فإلى جانب رمزيتها لقوتها المتنامية، يبدو الحصار أيضًا جزءًا من استراتيجية انتقامية. وفي يوليو الماضي، حظرت السلطات بيع البنزين في صفائح الوقود وأغلقت العشرات من محطات الوقود "غير الخاضعة للرقابة". وقد طُبق هذا الإجراء، الذي كان يهدف إلى الحد من حركة المتشددين، في مناطق معينة مثل نيورو، وهي بلدة بالقرب من موريتانيا، وهي الآن معزولة عن العالم. وفي منطقة الساحل، يُقدر عدد أعضاء جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بستة آلاف عضو، وهو عدد محدود لمثل هذا التوسع الواسع. قوة سياسية بديلة ويؤكد المعهد المالي، عقد المواطنين في بعض المناطق، مثل أجزاء من كايس، تحالفات مع العناصر المسلحة في تحوّل نموذجي محتمل في الديناميكيات الحالية. وبينما تجرى مناقشات سرية بين السلطات العسكرية المالية وقيادات الجماعة لذات الغرض، وهو ما يحذر منه مراقبون من إمكانية اكتساب المتطرفين يومًا ما قوة سياسية بديلة، يتعين على الحكومة المركزية التفاوض معها رسميًا. ويخدم الحصار أيضًا غرضًا اقتصاديًا بقطع الوصول إلى الوقود، حيث تعمل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المتطرفة كموزع موازٍ. وفي هذا السياق، تتجه الأنظار نحو العاصمة باماكو، المحاصرة هي الأخرى، والتي تُعدّ مركز السلطة. ويطمئن غويتا، الضابط العسكري المخضرم ورئيس المرحلة الانتقالية منذ عام 2021، بأن الأزمة "مؤقتة ويُمكن تجاوزها"، داعيًا الأمة إلى إظهار وحدتها. وفيما يتعلق بفرضية سيطرة الجماعات المسلحة على العاصمة، يتوخى معظم الخبراء الحذر. وقال الباحث المشارك في معهد كلينجندايل، أندرو ليبوفيتش، "لا تُجهّز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لهجوم مباشر على باماكو، لكن الحصار سيستمر بأشكال مُختلفة؛ وتنتهج الجماعة استراتيجية طويلة المدى، أكثر تماسكًا من مجرد التمني بسقوط العاصمة". ووافقه الرأي الأكاديمي المُنتسب إلى مركز بون الدولي لدراسات النزاعات، بوبكر حيدرة، قائلاً: "يبدو هذا السيناريو، في هذه المرحلة، مُستبعدًا للغاية". الأخبار