يطيب للرئيس الأمريكي ترامب أن يتباهى بتوجهاته «السلمية».. ويطيب له أن يتبجّح بعدد الحروب التي أنهاها.. ويطيب له أن يتسلّى بترديد اسطوانته المشروخة التي تفيد بأنه «يطفئ الحروب» بينما الآخرون يشعلونها..! فهل أن توجهات ترامب سلمية حقا؟ وهل أنه يطفئ نيران الحروب فعلا؟ ليس أفضل من الميدان لمحاولة الإجابة عن مثل هذه التساؤلات وجمع ما يكفي من العناصر التي تؤكد هذه المزاعم أو تنفيها.. والميدان يشي بحقائق ومعطيات أخرى تنسف ادعاءات ترامب نسفا.. والميدان يكشف أن ترامب ما هو إلا بهلوان ماهر يبدع في اختلاق الحيل والأوهام التي يغلّف بها سياساته ومخاتلاته لخداع الشعوب وجرّها إلى المربعات التي يريدها والتي تخدم مخططاته وتستجيب لاحتياجات الاستراتيجيات الأمريكية لدعم أركان النظام العالمي الخاضع بالكامل لهيمنة الولاياتالمتحدة وضمان ديمومته بما يؤمن إحباط المساعي والمخططات الصينية والروسية بالخصوص الساعية إلى إقامة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب ينهي هيمنة أمريكا واستفرادها بإدارة شؤون العالم.. وحين ننظر إلى الميدان فإننا نجد مشهدا داميا وأزمات متفجّرة ونجد عالما يسير نحو المواجهة الكبرى ونحو الهاوية بسرعات جنونية تتواصل فيها الحروب ولكن بطرق أخرى.. حروب تتكلّم فيها القنابل والصواريخ على وقع «سلام ترامب» وعلى وقع خططه ل«إنهاء الحروب الصراعات».. فإذا نظرنا إلى الجنوب اللبناني وإلى لبنان عموما نجد أن هناك اتفاقا لوقف اطلاق النار تمّ توقيعه بضغوط وبضمانات أمريكية منذ 27 جانفي 2025. لكن ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف العدوان الصهيوني على لبنان يوما. ولم يتوقف جنون نتنياهو يوما. ولم يسلم أهالي الجنوب اللبناني وبُنية حزب الله وعناصره من «تسلي» آلة الحرب الصهيونية بقتلهم مثلما حصل قبل ثلاثة أيام مع القائد العسكري في حزب الله هيثم الطبطبائي.. ليس هذا فقط بل ان الكيان الصهيوني الذي وقع على اتفاق وقف اطلاق النار ب«ضمانات أمريكية» لا يزال يحتل خمس نقاط داخل التراب اللبناني منتهكا بذلك سيادة لبنان وضاربا عرض الحائط باتفاق السلام وانهاء الحرب الذي وقعه.. ومع كل هذا لا يزال ترامب يتسلى بإضافة حرب الكيان على لبنان كحرب أنهاها وأطفأ لهيبها.. وإذا نظرنا إلى قطاع غزة كساحة أخرى للحرب مشمولة ب«خطة ترامب» لإنهاء الحرب.. فإننا نجد لوحة عبثية رسمت بالخداع وبالنفاق وصممت لتحقيق أهداف أمريكية وإسرائيلية تحت لافتة سلام لا يوجد إلا في الكلمات التي صاغ بها ترامب مبادرته.. ذلك أن العدوان الصهيوني لم يتوقف يوما منذ توقيع الاتفاق.. وآلة الحرب الصهيونية لم تتوقف عن القصف والتجريف والتضييق على أهالي غزة لدفعهم قسرا إلى الهجرة وبذلك يفسح المجال ل«ريفييرا» ترامب ولانطلاق انجاز مشروع «اسرائيل الكبرى» الذي يسعى إليه نتنياهو بلا هودة ولا يتوقف عن ترديد اسطوانته بتغيير خريطة الشروق الأوسط فكيف تكون حرب الصهاينة على غزة رقما يضيفه ترامب على مفكرة «الحروب التي أنهاها» وحليفه نتنياهو يواصل حربه.. ولكن تحت لافتة «خطة السلام الترامبي»؟ وكيف يتبجح ترامب بأنه أنهى صراعا تواصل منذ عقود وحليفه نتنياهو يعلن الحرب على كامل الاقليم وصولا إلى إيران؟ وكيف يحدثنا ترامب عن السلام في منطقة حددها مكانا لمشروع استثماري ضخم يديره صهره جاريد كوشنير ويريدها ممرّا لمشروعه الكبير المتمثل في انجاز طريق الهند أوروبا الذي يخطط من ورائه لقطع الطريق أمام طريق وحزام الحرير الصيني؟ وكيف يحدثنا ترامب عن السلام في حين تمضي بلاده وحلفاؤها في تهيئة المناخات لقيام «شرق أوسط» جديد على انقاض اتفاقيات سايكس بيكو التي لا يتوقف المسؤولون الأمريكيون عن الترديد بأنها أصبحت من الماضي وصاغتها قوى استعمارية سادت وبادت وبات من الضروري استئصال ارثها بإعادة رسم حدود جديدة تقوم وفقها دويلات وكيانات قزمية على أسس عشائرية ومذهبية وعرقية؟ وحتى إذا نظرنا أبعد من حدود منطقتنا العربية فإن نفس المشهد يتكرّر في بقاع أخرى من العالم. وحيثما وجد نفط وغاز ومعادن نفيسة فإننا سنجد «الدابة الأمريكية» تخطّط وتعدّ لاشعال حروب وغزو دول واسقاط أنظمة وتنصيب بيادقها وتمرير خططها «المغلفة» بخطاب السلام. ولعل أبلغ مثال على هذا وهو سعي إدارة ترامب الذي يتحدث عن اطفاء الحروب لغزو فينزويلا وكولومبيا وتغيير نظاميهما الرافضين للهيمنة الأمريكية تحت لافتة محاربة تهريب المخدرات. فهل يبقى مجال بعد كل هذا وغيره كثير لأن نثق في صدقية كلام ترامب عن السلام؟ وهل يبقى مغفل في هذا العالم يمكن أن يخدع بألاعيب ترامب ويمكن أن تنطلي عليه أكاذيب الجيل الجديد من حروب ترامب ومن حروب أمريكا التي تقدّم للعالم قبضة حديدية مغلفة بقفاز من حرير! عبد الحميد الرياحي