تتعرّض الصحافة لِفوضى عارمة جعلت الحابل فيها يختلط بالنابل، وفتحت الباب أمام الدخلاء والمتسلّلين ومنتحلي الصفة، ممّن يعتقدون أن هذه المهنة مجرّد حضور برّاق يُمهّد الطريق إلى الشهرة ويصنع الأسماء الرنّانة، بينما هي في الأصل مهنة التحرّي والنّبش والاجتهاد، حتّى لا نقول مهنة التعب. هؤلاء الباحثون عن دوائر الضوء يشكّلون خطرًا داهمًا، فهم يهجرون مهنهم وينسلخون من اختصاصاتهم الأصلية، ويزحفون نحو الصحافة تحت مسمّى "إعلامي"، ويركبون مجالًا من المفروض أنّ له قواعده وميثاقه الاحترافيّ. الإعلامي، هذا المصطلح الفضفاض الواسع، غير الدقيق وغير العلمي، أحدث خلطًا وسمح للإعلامي بأن يركب على ظهر الصحفي، مُحدثًا تداخلاً قسريًا أزاح الصحافة من مكانها وتموضع محتكرًا فضاءً للإخبار ليس فضاءَه. فالإعلام يجمع مختلف وسائل الإخبار من إذاعة وتلفزيون ومحامل الإشهار وغيرها، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أنّ الصحافة مقيّدة أساسًا بما هو مكتوب. وحتى في الإعلام السّمعي البصري، يظلّ منطلق الإخبار والإعلام هو النصّ المكتوب، ممّا يبرز الفرق بين الصحفي والإعلامي، بين المكتوب والشفوي، وبين ما هو تحقيق ورأي وتمحيص وتبيّن، وما هو مجرّد فضفضة أو كلام لا يخضع للضوابط المهنية. إنّ مثل هذا الخلط والتداخل في المفاهيم يُعدّ اعتداءً جسيمًا على قطاع تحكمه ضوابط وقوانين ومقاييس عمل، بات لا يُبنى على الأجدر كفاءةً بقدر ما يعتمد على الظهور والفرقعات الكلامية والتشويش على أبناء المهنة. وقد فتح هذا الانزلاق الأبواب أمام الإثارة وصناعة الإشاعة، وحاد بالصحافة عن دورها الرئيسي في الإخبار والتوعية وصناعة الرأي العام وتوجيهه، وكرّس إعلامًا سطحيًا صنع أسماءً جوفاء، ودفع بالصحفي إلى الظل، فيما سلط الضوء على الدخيل. ومن هنا جاء طوفان صُنّاع المحتوى والمؤثّرين الذين أقحموا أنفسهم في قطاع خطير لا يقلّ خطورةً عن دخيل يتجرّأ على مِشرط جرّاح. ولأن الفوضى ما زالت قائمة بلا رقيب ولا حسيب، ولأنّ كل من يمسك ميكروفونًا أو يقف أمام كاميرا أو يحتلّ منبرًا إعلاميًا يُسمّى صحفيًا، فإنّ فجوة الثقة لدى المتلقّي ستزداد عمقًا، حتى تجرفنا إلى القاع، ما لم يُدرِك هؤلاء أن الإعلامي، مهما سطع نجمه، لن يكون صحفيًا. وحيد المي