(الإدارة الجهوية للتعليم تطاوين) الإهداء: إلى الشهيد ياسر عرفات.. في رحيله الشامخ «العبرات كبيرة وحارة تنحدر على خدودنا النحاسية.. العبرات كبيرة وحارة تنحدر إلى قلوبنا»(*). لأنك جاسر جسور، مد لا يرتد وتضحية بالحياة حدّ الشهادة، لهذه الأسباب ولأكثر منها بكينا رحيلك بملء الفم والعقل والقلب والدم.. منذ البدء كانت طريقك من المواجهة والاكتشاف، أو الاكتشاف عبر المواجهة وبها، طريقا صعبة وشاقة وجميلة، إنها طريق المناضل في اكتشاف ذاته وفكره وموقفه. لقد كنت تشكيلا رائعا للمناضل الذي لا يهاب الموت.. المناضل الذي يحلّق عاليا في فضاء الحرية.. تحليقه لا للإفلات من قبضة الواقع والفكر، إنما من أجل سيطرة ضوئية أكبر على الزوايا المعتمة في تضاريس الواقع. إنه استبطان لضياء الحلم المشع وسط الظلال الشاحبة، هذا الضياء الذي يميز أصحاب الثراء الروحي المتميزين، الصامدين بحق، والتأصيل لا يلغي التحليق، بل يمنحه شكلا جديدا، عمقا استيحائيا أنصع. لقد كنت يا ختيار من معدن خالص، معدن إنساني.. المعدن الذي صيغ منه كل الأبطال والشهداء منذ فجر التاريخ الإنساني. إنك شقيق سبارتا كوس، وعمّار بن ياسر، فهد، وشهدي عطية، والبندي، غيفارا وديمتروف.. وقد تجلّت في حياتك مثلما في موتك، بطولة الاستشهاد وتجسدت في مسيرتك النضالية أسمى أشكال الفعل الإنساني النبيل. نظرتك إلى التاريخ كانت نظرة الواثق من منهجية رؤيته وموضوعيتها مهما تكاثفت عوامل البشاعة والانهيار والتهدم، فلا يمكن لها أن تمهر الكلية الإنسانية بميسهما، ولا يمكن لخط الانكسار في المسار الانساني مهما كان حادا أن يحول العالم إلى أرض موات، ولا يمكن أن يتحول النبل الإنساني إلى كائنية جوفاء. ليس هذا قانون التاريخ فحسب، بل هو قانون كوني، طبيعي، إذ تتفاعل كل المقولات الموضوعية لتعبر عن ناموس الوجود بأكمله.. حين أوشكت يا ياسر أن تغادر بيروت المحاصرة، سألك أحد الصحافيين من غير العرب: إلى أين أنت ذاهب؟ أجبته بجسارة: إلى أين؟ طبعا إلى فلسطين. اليوم، وفي كل موضع من الأرض المقدسة، من البحر إلى الغور، يذهب الفلسطينيون بطرائقهم الخاصة، وطرقهم هم، إلى فلسطين العجيبة. لهذا ولذاك نتطلّع جميعا إلى ملحمة البطولة التي تمثلت على الأرض بالمقاومة، والتي ستنجلي في تصحيح التاريخ بأمثولة تكتب لكل الشعوب ملحمة خالدة تقاوم الموت المتعسف وتكشف زيف قوة الذراع والسلاح، لتمجد ألق الروح الشعبية التي تكتب الشعر بإيقاع الانفتاح علي الخلود. لا أقول إن الرأس تطأطأ أمام الموت من أجل الوطن، بل أن الرأس لتظلّ مرفوعة فخرا بشعب أعزل يؤمن بأن الشجرة إذا ما اقتلعت تفجرت جذورها حياة جديدة، وتلك هي ملحمة الإنبعاث من رماد القهر وهي في انتظار من يدخلها ذاكرة التاريخ عملاعظيما يشعّ منارة في المسيرة الظالمة التي تنشر ظلمتها قوى الشر في هذا العالم. سلام هي فلسطين.. إذ تقول وجودنا نقول وجودها الخاص حصرا.. فلا هوية لنا خارج فضائها.. وهي مقامنا أنّى حللنا.. وهي السّفر.. ودائما يا ياسر عرفات: «هناك الكثيرون أمثالك أعلوا وشادوا وفي كل حال أجادوا وأنت كذلك أنجزت كل الذي في يديك عظيما.. جليلا.. وما عرف المستحيل الطريق إليك لأنك تؤمن أنّ الخطى إن تلاقت قليلا ستصبح جيشا وصبحا نبيلا تمنّيت أن تصلّي في القدس يوما.. تمنّيت أن تدفن فيها.. لكن.. فعلت الذي كان حتما عليك وما كان حتما على النّاس جيلا فجيلا..» أبو عمّار: الدّمع الحبيس يحزّ شغاف القلب. الدمع حبيس والروح خرقة وصدأ ولكنّ الدموع لا تمسح تراب الأسى وسنسيء إليك إذا وضعنا ملاك الحزن على قبرك.. إن عنوانك معنا، إنك قريب منّا، إنّك فينا، في قلوبنا.. في ضمائرنا.. وستظلّ نبراسا يضاء على هذا الدرب الطويل.