كثير ممّن استعجلوا الغنى والشهرة، استسهلوا طريق الفن والغناء خاصة، وخرجوا علينا بأغان ليس لها معنى أسموها شبابية وصوّروها بما يسمى «الفيديو كليب» فزادت «خفّة وركاكة». فمع اطلالة كل يوم جديد تتحفنا وسائل الاعلام على تنوّعها بمغنين جدد واسماء جديدة. أما أصواتهم فأقل من عادية وكلمات أغانيهم لا تمت للعربية بصلة، والانكى من ذلك أن تلك الاغاني متشابهة فإن سمعت احداها أغنتك عن سماع البقية، أما الشيء الذي يؤلم حقا فهو المبالغ الخيالية التي يتقاضونها عن حفلات وسهرات منها الخاصة ومنها العامة. وعيبنا الشديد هو على الدعاية الاعلامية المكثفة لهؤلاء والاحترام والتبجيل والالقاب المغدقة عليهم، فلا يمضي يوم واحد دون أن تشاهد احدى هذه الاغاني الاهتزازية، أما المقابلات الشخصية مع ابطال هذا اللون من النماذج، فحدّث ولا حرج، فهي اكثر البرامج المرئية واكثر ما يحزّ في نفسك هو الاستقبالات الجماهيرية، ا لتي ما حظي بها من أفنوا حياتهم في خدمة البشرية، وإن أحدهم ليجلس منفوشا كالطاووس، ليقول: «إني انتقي كلماتي والحاني بعناية ورويّة، وأرفض الكلمات الهابطة ولو بقيت دون عمل، وكل عملي هو تضحية بتضحية، ولن تتخيّلوا كم نتعب... وبالمناسبة لا أريد لابنائي أن يصبحوا فنّانين لأن طريق الفن صعبة للغاية». ونريد أن نسأل بدورنا، أي صعوبة في هذا الضجيج الذي يسمّونه غناء؟ ولماذا تقلّد الاخرين في الامور السيئة والتافهة، ونترك تقليدهم في النواحي الحضارية؟ وهل الاغنية هي مجرّد كلمات تتحدث عن الحب والحبيب؟ أليس لدينا كلام آخر أشدّ نفعا من هذا الهراء؟ أليس من الاجدى ان يوظف الفن و»الاغنية جزء منه» للتوجيه وبيان معاناة الناس، اضافة الى وظيفته الترفيهية خاصة أن ذلك محققا عند من نقلدهم في السلبيات فقط؟ أليس من المحزن ان يكون كثير من العلماء والمفكرين يعيشون عيشة الكفاف، بينما من أفسد أذواقنا وأصم آذاننا قد أصبح نجما يسطع ولؤلؤة تلمع؟! ... ونقول: اننا نؤكّد في الوقت نفسه ان الحاجة الى الفن الجاد والراقي لا تقل اهمية عن حاجاتنا الى العلم والفكر والثقافة والابداع ونتمنى ان تكون الرداءة مجرّد فقّاعات سرعان ما تتلاشى.