بعيدا عن كل الاحكام الانطباعية واستنادا على تفاعل الجمهور الذي لم يبق كرسيا واحدا شاغرا في المسرح البلدي كان عرض الفنانة الانقليزية الاصل جان بيركين متميزا ومهما على عدة مستويات... هو عرض جمعت فيه صاحبته بين الرسالة الفنية والرسالة الانسانية... نظرا لطبيعة الأغاني والأشعار والأحاديث التي أمتعت بها آذان الجمهور وكانت مفعمة بمشاعر مختلفة ومختلطة من الحزن والفرح والحب... ولم تخف الفنانة بيركين بخصوص هذا التوجه الذي اختارته فقد أخبرتنا أثناء العرض بأنها ستغني الشجن بهدوء... ولعل رحيل أخيها في عزّ الشباب هو الذي دعم في داخل الفنانة هذه الأغاني وهذه الأحاسيس. وعليه فمن تابع العرض وشاهد بيركين سيقول انها كتلة من الأحاسيس ترجمه على الركح العناق والتودد الطويلين مع العازفين ومع «محمد» الشاب الجزائري الذي غنى ايقاع الراي أغنية ثنائية حزينة جدا. في العرض غنت جان بيركين اغان غربية على ايقاعات ومقامات شرقية أعاد توزيعها بامتياز موسيقي عربي من أصل جزائري و جمال عازف الكنجة في مجموعة الفنانة بيركين... هذا الحفل ردّ ما بعده ردّ على الذين يرون انه لا وجود لموسيقانا في مثل هذه الأغاني... والأمر المهم الآخر أن الفنانة بيركين عندما استهوتها الموسيقى الشرقية وغنت على نسقها لم تقص آلاتها الأصلية نقصد العود أبو الآلات الوترية... رغم انه من المفارقات العجيبة نحضر لفنانين كبار من العرب لمجموعات موسيقية خالية من آلات عربية والمعلومة لا تحتاج الى ضرب الأمثلة...! وقبل أغنية «الوداع» التي ختمت بها حفلها اخبرت جان بيركين ان مواعيدها القادمة ستكون في فلسطين وأفغانستان، أي بالجبهات وعلى خط النار حتى يدوّي صوت الانسانية عاليا فوق أصوات الصواريخ والمدافع التي تعتمدها اسرائيل للدفاع عن النفس من أطفال ارهابيين يرمون جنودها بالطوب او التي تعتمدها أمريكا لقتل الأبرياء بدعوى تحريرهم. بعد الحفل قلنا لهذه الفنانة التي اختارت مسارح مجاورة لمسارح الحروب الواسعة لماذا لا توجد العراق في القائمة ضمن هذه الجولة الانسانية التي تقوم بها فأجابت للأسف حاولنا... لكن لم نقدر على ذلك... وأكيد سيحين الموعدلذلك عن قريب.